في طبعـةٍ أنيقةٍ جدّاً من 208 صفحاتٍ موسوعيةٍ كبيرةٍ، صدَرَ سنة 2009 بالإنكليزية كتاب “أُوركيدات لبنان” (Orchids of Lebanon) للدكتور ريكاردوس هبر والدكتورة ميرنا سمعان هبر في منشورات “أرض لبنان” (Terre du Liban).
كأنما حديقةٌ عابقةٌ هذا الكتاب: 86 نوعاً من الأوركيدات (معظمُها غيرُ مكتَشَفٍ على أَرضنا) في أَوّل تسجيلٍ علميٍّ لهذه الزهرة عندنا نتيجةَ 35 سنة من الأبحاث والتصوير وزياراتٍ ميدانيةٍ بين الحقول والسهول والتلال والعَلْوَات والزَّوايا وأَماكنَ مغمورةٍ من أَعمق الوديان إلى قمم الجبال حتى 1600 متر.
ولكل أُوركيدة صورتُها الملوّنة، واسمها (في اللاتينية والإنكليزية والفرنسية والألمانية)، وتاريخُها، ونوعُها، وتفاصيلُ علميّةٌ تُطرِّزها 300 صورةٍ أَخّاذةِ الجمال، تَفْتَحُ النَّفْس وتَـمْنَحُ النَّفَس، حتى لكأَنّ بعضاً منها، لوَفْرة جماله، يبدو من الخيال أَو من ريشةِ رسّامٍ مُبدعٍ تأَنّـى وتأَنّقَ في حَـنْـواتِ اللوحة الـمَرسُومة، فيما هي صورةٌ فوتوغرافيةٌ ملتَقَطَةٌ باحترافيةٍ عالية، مع تحديدٍ جغرافـيٍّ لـمَكانِ كلّ زهرةٍ ما يُبّيِّنُ غنى أَرضِ لبنان بهذه الزهرة النبيلة النادرة.
في الكتاب ﭘـانوراما “أُوركيديّةٌ” في أَحدَ عشَرَ فصلاً، من بهجة الـمَنظر، إلى هويّة الأُوركيدة، إلى لبنان أَرض الأوركيدات بين 3000 نوعٍ من الأَزهار والنباتات الفريدة على مُتَّسَع مساحتِه وتضاريسِه ومناخِه.
وخصَّصَ المؤَلِّفان فصلاً عن الحوار الناعم الهادئ بين الأُوركيدات وحشراتٍ لطيفةٍ أَليفةٍ جميلةٍ تَـحُطُّ عليها فتزيد من أَناقةِ منظَرها وحُسْنِ شكلها.
وفي فصل لاحقٍ تفصيلٌ عن حياة الأوركيدة، نشأَتِـها، عُمرِها، تَفَتُّح بَتلاتِـها، تلاقُحِها في حِضْن الطبيعة، ثم تَنَاثُرِ بُذُورها في الأرض فاتِـحةً عهداً جديداً لِـجيلٍ جديدٍ من أُوركيداتٍ زَغْبةٍ تُـجَدِّدُ بَـهجة الطبيعة.
بعد تَتَالـي الفُصول الشارحة، يَنفتحُ أَلبومُ الصُّور فتَفوحُ منه الأُوركيداتُ عَـرُوساً عَـرُوساً: هذه برأْسها الجميل، تلك بقوامها الأهيف الكامل، وهاتيك زوغاتٍ متلألئةً في حضن طبيعة لبنان ينبسطُ أَخضرُها في الكتاب على صفحة أو صفحتَين متقابلتَين في مناظرَ من أَجملِ ما تَراهُ عينٌ وتَتُوق إليه رؤيةُ الـجَمال.
“أُوركيدات لبنان” (Orchids of Lebanon) من ريكاردوس هبر وميرنا سمعان هبر، ليس مـجرَّدَ كتابٍ للقراءة بل قطعةٌ في الـمكتبةِ نابضةٌ بالحياة، يعادُ إليها كُلَّما اشتاقَت رَغبةٌ إلى جمال لبنان.
وللمؤلِّفَين في الحقل نفسه كتابٌ آخرُ بالإنكليزية عنوانُه “ابتهالٌ مزهرٌ إلى لبنان” ستكون لي إطلالةٌ عليه قريباً، وكتابٌ ثالثٌ، بالإنكليزية أيضاً، يَصدُر بعد أَيامٍ عنوانُه “نَـهر أَدونيس: وادي الظلال المتماوجة”.
إنها طبيعتُنا اللبنانيةُ الغنيّةُ الفريدة، يـجعلُها ريكاردوس وميرنا هبر في كُتُبِهِما بَـهجةَ العين ورَقصةَ الفرح بأَبـحاثٍ عِلْمِيَّةٍ رصينةٍ هي مراجعُ عِلْميَّةٌ أَكاديـميةٌ مُوَثَّقَةٌ عن غنى لبنان تراثاً طبيعياً نادراً في العالم.