في صدارة الجذْب السياحي مدُناً وواحاتٍ ومراكز: السياحة الدينية. فكم بلدٍ في العالم يعتمد في جُزء كبير من مداخيله على السياحة الدينية. وفي لبنان كنوزٌ نادرةٌ في طبيعته، ومواقعُ أثرية في تاريخه، ومعالِمُ فريدةٌ في جغرافياه تجعل زيارتَها مقصَد السيَّاح.
في هذا السياق صدرت سنة 2009 سلسلة “دروب الإيمان” عن منشورات “أَلِفْ” بإشراف وزارة السياحة: ستة كتيّبات واحدُها من 64 صفحة حجماً صغيراً، جمعَت إلى النص العلْمي صُوَراً جذَّابةً من المواقع والطرق إلى دروب الإيمان فيها، وَضَعَت أَربعةً منها جوسلين عوّاد، والخامس رفيق باسيل والسادس اسكندر شديد.
الجُزء الأول عن “وادي قاديشا” (“وادي قنوبين” أو “وادي القديسين”)، ومعالم دينية فيه ترقى إلى عصور قديمة، وكيفية الوصول إليه بالسيارة أولاً، ثم كيفية التوغُّل فيه مشياً بين أشجاره وأدغاله ومغاوره وتلاله. وفي الكتيّب لمحة عن الكنائس فيه والأديار والأيقونات ومغاور كانت ملجأً ومنسَحَباً للزهَّاد والنسَّاك: صوامعَ ومحابسَ وخلواتِ صلاة.
الجُزء الثاني عن “رأس الشقعة” (أو “رأْس وجه الله”)، وفيه خارطة الوصول من بيروت أو من طرابلس، ولمحةٌ تاريخية عن مزاراته وكنائسه وأدياره، من حامات إلى سيدة النياح إلى سيدة النورية إلى مار سمعان العمودي إلى مغارة سيدة الحرشية، وتعليمات بالخارطة إلى كل موقع، مع صوَر من البحر والبر والجو لهذا الرأْس الذي يشكّل في بحر لبنان علامة لافتة على خارطته وجغرافياه.
الجُزء الثالث عن أنفه، ملتقى التاريخ والإيمان، فيها مواقع دينية قديمة على شاطئ البحر وبعض الداخل، وفيها الملاّحات الشهيرة على شفاه البحر، ومعالم ترقى إلى الفينيقيين، وأخرى إلى العصور المسيحية الأُولى، وغيرها في قلب مغاور وخليج طبيعي حفرتهما عوامل الزمان فاستوطنها المؤمنون.
الجُزء الرابع عن حماطورا وكوسبا، الطرق القديمة للأرثوذكسية، وفيه مناظرُ أخَّاذةٌ لهذين الموقعَين طبيعةً مغلَّفةً بالصمْت والجمال، وأَدراجاً لولبيةً مُتَأَفْعِنَةً بين البساتين والحقول، نحو دير حماطورا الطالع من قلب الصخر، نحو مغارة النذور، نحو قصر لبنان، نحو قصر نعوس، فدير مار ديمتريوس، فمعابد بْــزيزا، وسائر الواحات العابقة ببخور التاريخ.
الجُزء الخامس عن حردين (أو “قلعة الإيمان”) الجاثمة بِهَيْبة بين قضاءي البترون والكوره، بين شاهق الأشيار وعبق الوديان، في بانوراما جميلة من الخضرة والظلال، مشكوكةٍ معابدَ رومانيةً وهياكلَ فينيقيةً وأدياراً مسيحيةً ومحابسَ وكنائسَ ختيارةً لا يزال بخورها فَتِيَّ الإيمان بين قناطرَ مهجورةٍ وقرميدٍ عتَّقه حـرُّ الشمس الحرديني.
الجُزء السادس الأخير عن قدِّيسين لبنانيين، منارات روحية في قلب الوطن، بدءاً من الأب يعقوب الكبوشي وإنجازاته الخيرية، فالأب شربل مخلوف ومحبسته في عنايا، التلة المرصودة على الصلاة والتَّأَمُّل والندم والخوف من خسارة السماء، فالأخت رفقا الريس “زنبقة القداسة”، فالأب نعمة الله الحرديني الطوباويّ المرشّح للقداسة، فالأخ اسطفان نعمه “الفلاّح في كرمة الرب”.
ستةُ أجزاء صغيرة الحجم كبيرة الإشعاع، إلى دروب الإيمان في لبنان، سياحةً دينيةً لو عرف سياسيُّوه سلوك دروبها لكان لِـلُـبنان، من السياحة الدينية فيه، موردٌ يَسُدُّ بعضَ دُيُونه ويقدّم رَفَاهَ الحياة لشعبه الذي يتهيَّأُ قريباً لاستقبال بابا روما.
المسؤولون عن زيارة الحبر الأعظم أَرضَنا، ننتظر كي نرى ما الذي سيطْلِعونه عليه من مواقع إيمانٍ وقداسة، هو الآتي إلى لبنان الإيمان والقداسة.