1059: “حين الحلُّ يتحوّل إلى مشكلة”

الحلقة 1059: “حين الحلُّ يتحوّل إلى مشكلة”
الأربعاء 8 تمّوز 2012

في وثائقيٍّ من 9 دقائق حقَّقه الإعلامي الفرنسي ﭬـنسان شاتلان، كشَفَ عن جزيرة ميسكيتو – 45 كلم شمالي شاطئ نيكاراغْوَى شرقاً- تعيش عليها قبيلةُ “ميسكيتو” الهندية مقطوعةً عن العالَـم، وسْط البحر في صحراء مائية نائية قبالة لُـجَجُ المحيط الأطلسي في الضفة الأُخرى.
هذه القطعة من البحر في مجاهل المحيط، مشكوكةٌ فيها بيوتُ قبيلة “ميسكيتو”: أكواخٌ خشبيةٌ خَسِعَةٌ قائمةٌ على أوتادٍ رفيعةٍ مزروعةٍ في قعر البحر، مهدَّدَةٌ كلّ ساعة بغضب الأنواء تقتلِعُها ولا ملجأ، فتُحِيلُها خراباً مرعباً بعد تنِّينِ إعصارٍ أو رعبِ طوفان، تائهةً في نقطةٍ بعيدةٍ عن العالَـم، بين مياهٍ عميقة وسماءٍ سحيقة.
هذه القبيلة تعيش من صيد الكركدَنّ (الجراد البحري). ولأجل صيده يغطسُ الرجالُ، والفتيان أيضاً، نحو 15 إلى 20 مرةً يومياً، على 50 متراً في أعماق المياه الرهيبة العمْق والمخاطر، مستخدمين أَدواتٍ بدائيةً جداً. وتسجِّل الإحصاءات عشرات الضحايا منهم سنوياً، خطأً في الغطس، أو شلَلاً في الأعضاء، أو ارتطاماً بصخور في الأعماق، أو اختناقاً، أو غَرَقاً لانقطاع التنفُّس بعُمْق الغطسة، ما يجعلهم يتناقصون مع الأيام.
حكومة نيكاراغْوَى قرَّرَت قبل أيامٍ منْعَهم من الغطس فحَرَمَتْهُم من موردٍ وحيدٍ يُعيلُهم طعاماً أو بيعاً وتسويقاً على الشاطئ من أجل الطعام!
“عبقرية” هذا القرار أنّ الحكومة النيكاراغويَّة استسهلت إيجادَ هذا الحل لهؤلاء المساكين المنفيين في البحر معرَّضين لأخطار الغطس والبحر والأعاصير، عوض أن تجدَ حلولاً لوضعهم المهنيّ والمعيشيّ التاعس فتزوِّدَهم بأدواتٍ حديثة للغطس وتساعدَهم على اقتناء مراكبَ مزوَّدةٍ بمعداتٍ وآلاتٍ مناسِبة تسهِّل اصطياد كركدنَّاتهم لقمةَ عيشٍ قبل أن يصطادهم البحر لقمةَ ضحيّة، ولو فعلَت الحكومة ذلك لأمّنَت رفاه العيش والأمن الاجتماعي لهذه الفئة النائية من رعاياها.
هذا ما في حكومة نيكاراغْوى الغرب.
وفي حكومةٍ مـماثلةٍ، من نيكارغْوى الشرق، قراراتٌ شبيهةٌ، “نائيةٌ بنفسها” عن رعاياها: عوضَ أن تجد لشعبها حلولاً توطّد أمنه الاجتماعي، تنأى بنفسها عن الحلول، وتتَّخذ قرارات “مهضومة جداً” من طراز: إنقاصُ رغيفٍ من ربطة الخبز، تأجيلُ معالجة ارتفاع أَسعار البنزين، تمييعُ مشكلة المياومين، تسويفُ سلسلة الرُّتب والرواتب، الاستمهالُ السُّلحفاتيّ في حل معضلة الكهرباء، وهكذا تَتَسَلْحَفُ الحكومة فتتفاقَمُ الاعتصامات والإضرابات وقطع الطرقات، آخرُها قبل أيام قطع الطريق في اليمونة، لأنّ الحكومة أرسلَت الجرافات تجزُّ نبتة الحشيشة من جذورها وتترك مزارعيها بلا موردٍ ولا جذور، فوعدت بإيجاد حلول بديلةٍ لـِمُزارعي اليمُّونة عوض أن تكون وضعَتْ من قبلُ خطةً شاملةً للوضع الزراعي عموماً في منطقة البقاع/الهرمل وسواها.
في نيكاراغْوى الغرب، لعنةُ البحر ولقمةِ العيش.
وفي نيكاراغْوى الشرق لعنةُ الحكومة ولقمةِ العيش.
وَ… يَـخلُق الله من الشبَه أَربعين.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*