حرف من كتاب- الحلقة 72
“تاريخ الأزياء اللبنانية”- ماجد بو طانوس
الأحـد 8 تـموز 2012

“فَلْتُضِئْ عمارةُ المجد، إنّ الحبَّ والشَّدْوَ والفكرَ في بلادي عتاق، والمجدُ عتيقٌ، وَلْيَصُبَّ الغيم على قرميد بيتي، فسقف بيتيَ السماء، وَلْيُوْرِقِ العنّابُ في فنونِنا، ففي عيوننا تُمّحى الآفاق، وفي أعماقنا يولد الخَلْقُ، وعلى شفاهنا للريح ترانيم. ولأننا هذه الأُمَّة، أعطينا هذا الفولكلور”. بهذا المقطع الشاعريّ العريق يفتتح ماجد بو طانوس كتابه “تاريخ الأزياء اللبنانية: من العهد الفينيقيّ حتّى أواخر القرن التاسع عشر” صادراً سنة 2009 في 224 صفحة قطْعاً كبيراً تتداخَل فيه النصوص مع رسوم مصاحبة في بحثٍ تاريخيّ راجعه أكاديمياً الدكتور عبدالله الملاّح.
مستهلّ الكتاب لَمحةٌ عن تاريخ الأزياء اللبنانية مرتبطةً بـحضاراتٍ تعاقَبَتْ على لبنان مستوحاةً من الأساطير والديانات والعادات والتقاليد، متَّبِعَةً في تطوّرها التعاقُبَ الاجتماعيّ والفكريّ والتقدُّم الصناعيّ والتجاريّ والفنيّ. ومع تَقَدُّم العصور أَخَذَت الحضاراتُ تتداخل، وفيها تتداخل الفنون والأزياء والملابس لِتَتَّحِدَ في جوهرٍ واحد.
عرضَ المؤَلِّف أزياء ما قبل التاريخ، موادَّها الأوليةَ جلودَ حيوانات وكتّاناً وصوفاً وأنسجةً بدائية تغطّي بعض أجزاء الجسم، حتّى إذا جاء العهدُ الفينيقيُّ وعرف لبنان الغزْل والحياكة في الألف الثالث (ق.م.) كان الصوف أُولى تلك المواد مغزولاً ومـحوكاً في المنازل. واكتشفَ الفينيقيُّون الحرير فروّجوه واشتُهِر حتّى ذكره هوميروس في النشيد السادس من “الإلياذة”: “نزل هيكوب (Hécube) في غرفته العطِرة حيث المناديلُ أَزياءُ منوعةٌ من صنع نساء صيدون جاء بها ﭘـاريس من فينيقيا لدى مروره على صيدا وصُوْر، فكانت بألوانِها المختلفة أجملَ الأزياء تتلألأ كالكواكب”. واكتشف الفينيقيون الأُرجوان فاشتقّوا منه صباغ البرفير لأزياءهم الرائدة. وعن الأسطورة أنّ “هرقل الفينيقيّ أخذ أول ثوبٍ مصبوغٍ بأرجوان صُوْر وقدّمه إلى الإلهة عشتروت”، وكانت الثياب الأرجوانية ملابس الملوك والأمراء ولا يزال هذا اللون الأرجواني لوناً ملكياً حَبرياً حتّى اليوم. ويفصّل المؤلّف طراز أزياء فينيقية لعامّة الناس وأخرى للملوك والكهنة وكبار رجال الدولة الفينيقية، من أقمشةٍ مطعّمةٍ بِحجارة الزمرُّد والياقوت، وللنساء أزيائُهنّ المكشكشة بالزركشة والتخريم، شالاتٍ وتنانير وفساتين قصيرةً وطويلة.
في العهد الروماني تأثّر لبنان بالدول الخاضعة للأمبراطورية الرومانية بملابسَ كتّانيةٍ وصوفيةٍ حُللاً ومآزر وقميصاً نسائياً طويلاً مطرّزاً يُشَدُّ بزنّارٍ عند الخصر فوقه رداءٌ بطوله مفتوحٌ من الأمام، إلى حليٍّ من تاج وحلق وعقود وأساور وخواتم.
ومع العهد العربي حتى العهد العثماني تنوعّت الأزياء قلانس وسروايل وعباءات وكوفيّات وحريراً وجميلَ ديباج.
وجاء الزمن المعنيّ بالغاً ذروته مع فخر الدين الثاني فازدهر الحرير وانتشرت الأنوالُ وظهرت أزياء الأميرات المعنيات طابعةً تلك الحقبة بأجمل الملابس مقطوفةَ الأزياء من الحضارات الأخرى. وكذلك الأمر في الزمن الشهابيّ المتأثّر نوعاً بالموضة العثمانية عباءة ومشلحاً وجُبّةً وفق المذاهب والطوائف.
ختامُ الكتاب بأزياء الربع الأخير من القرن التاسع عشر منوّعةً بين منطقةٍ وأخرى وطائفةٍ وأُخرى وفئةٍ من الشعب وأخرى، وتعدَّدت الأشكال بين عمامة وطربوش وكوفيّة وطاقية ولبادة وتاج ونقاب وخمار وطرطور وحجاب ومنديل وطرحة، وأزياء شَعر جمّلت المرأةَ وأبرزت أنوثتها الأنيقة.
كتاب “تاريخ الأزياء اللبنانية من العهد الفينيقيّ حتّى أواخر القرن التاسع عشر تاريخ الأزياء اللبنانية” (مزوّداً بـ48 مرجعاً أجنبياً و46 مرجعاً عربياً) سِجِلٌّ بالنصوص والرسوم لناحيةٍ من تاريخ لبنان: عنوانٌ آخرُ من عناويننا العريقة في التراث والحضارة.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*