على الغلاف زيتيةٌ جميلةٌ لـبستان ليمونٍ في صيدا تتصدَّره قنطرةٌ تدعونا للدخول إلى بيتٍ حَدَّ بابه سُلَّمٌ خشبيٌّ ختيار يوصل إلى سطح البيت العتيق، ومنه يطلُّ بكامل رحيقِهِ وجمالِهِ بستانُ الليمون. التوقيع في أسفل يمين اللوحة: عمر الأنسي.
هكذا ينفتح الكتابُ الذي بين يدَيّ: “عمر الأُنسي- بستانيُّ النور اللبناني”، أصدره في طباعة أنيقة وحجم موسوعي كبير مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية سنة 1985 في الفرنسية والإنكليزية معاً، وبينهما نصوص تعريفية بالأُنسي وحياته وأعماله وأثره في عصره.
مقدمةٌ طويلةٌ مدروسةٌ ناصعةُ اللغتين، تكرِّس الأنسي ركناً أساساً من الرعيل التشكيليّ المبارك في لبنان مع مصطفى فرُّوخ وقيصر الجميِّل وصليبا الدويهي ورشيد وهبي وكلِّ ذاك الرعيل النيِّر.
وفي المقدمة أيضاً أنّ عمر الأنسي “عاش في شبه انفرادٍ تصومُعيّ بين لوحاته ورسومه ومخطَّطاته، في عالم داخلي ساكن طبع وجهه الهادئ الصافي، ونِظْرَته الساهمةَ البعيدةَ التي لم تكبَر عن نِظْرة ولدٍ خرج يوماً في نزهةٍ ليكتشف الجمال فَبَهَرَهُ الجمال، ومن يومها لم يَعُد من تلك النزهة ولا من هذا الانبهار”.
هذا المناخ نفسه طبع جيل الروّاد التشكيليين، وعمر الأُنسي في طليعتهم، فجعلوا من لوحاتهم بحثاً عن الهوية اللبنانية وكرَّسوها طريقاً إلى صورة لبنان في العالم.
بهذا المنطق الجماليّ أفتح هذا الكتاب أمامي، أُقَلِّبُه ورقةً ورقة، على كلّ صفحةٍ لوحةٌ يوازيها شرحُها في الصفحة المقابلة، ويحلو التنقُّل بين الصفحات، تنقُّلاً على جمالات لبنان في ستة أقسام الكتاب: مناظر، وجوه، طبيعة صامتة، مشاهد فولكلورية، لوحات ﭘـاستِل، ومواضيع متفرقة، ما مجموعه 67 لوحةً تنضحُ منها عطورُ الجمال اللبناني، ويفيضُ منها نورٌ طالعٌ من كلِّ شهقةٍ في بستان كنوز لبنان، ما جعل عنوان الكتاب: “عمر الأُنسي- بستانيُّ النور اللبناني”.
وتحلو الرحلة تحلو في لوحات هذا الكتاب: بستانُ ليمون في صيدا، طريقُ صبّير في رأس بيروت، كثبانٌ هادئة على الرملة البيضاء، منظرٌ في عين زحلتا، نبعُ المغارة في حراجل، بيتٌ عند عين التنور في ميروبا، تيجانٌ من صخور ميروبا، بيتُ الفنّان في تلة الخياط، حقلٌ زائغٌ من زهر اللوز، وجهُ فلاحٍ لبناني، نساءٌ درزيات على نبع ماء، قاطفاتُ الزيتون في البستان، عرزالٌ على شاطئ الأوزاعي، امرأةٌ تهلُّ خبز المرقوق على الصاج، منظرٌ في برج أبو حيدر، مشهدٌ من سهل البقاع، مشاهدُ من غابات الصنوبر في ميروبا (مصيف الأنسي لسنوات)، وجهُ فلاّحٍ لبناني، وجهُ بدويةٍ في سهل البقاع، مشهدٌ من الجبل اللبناني، نساءٌ موشومات، غزالان في حديقة الفنان، … وصفحةً بعد صفحة، تطلُّ لوحةٌ مائيةٌ أو زيتيةٌ أو ﭘـاستِل طبشوريّ، وكلُّ صفحةٍ تشهَق بالنُّور اللبناني، بالجمال اللبناني، بالعذوبة اللبنانية، على ريشة عمر الأُنسي، تنضَحُ منها هويةُ لبنان الناصعة: وطنِ الجمال والنُّور والفرح، هو الذي لم يكُن يوماً ولن يكونَ إلاّ وطنَ الجمال والنور، وزارعَ الفرح في أبنائه الذين، أَنّـى تَغَرَّبوا، تظلُّ رعشةُ الحنين إلى الرجوع عنوانَ أيامهم ولياليهم، الرجوعِ إلى هذا البستانِ الفريد النّادر الذي بناه رعيلٌ مباركٌ، منهُ عمر الأُنسي وريشتُهُ التي جَعَلَتْ منه، في كلِّ جدارة، بستانيُّ النور اللبناني.