الذي، في أَصعب أَتون الحرب التي كانت تنهَش لبنان، قال: “لو تُرِك اللبنانيون لِقرارهم لَخِفْتُ عليهم من الاختناق بعناقِ بعضِهم بعضاً”، كان أَبلغَ من عَبَّر عن طوية اللبنانيين جميعاً من كلّ طائفةٍ ومذهبٍ ودينٍ وعائلةٍ روحيةٍ ووطنيةٍ وأهلية، في مَحبَّةِ واحدِهِم الآخَر، عكس ما صوَّر المغْرضون أَنّ في لبنان حرباً أهليةً يتقاتل فيها أَهلُ البيت الواحد والحيّ الواحد والمدينة الواحدة والوطن الواحد.
والذي أطلق شعارَه النقيّ “لبنانٌ واحدٌ لا لبنانان” حُقَّ له أن يَصدر هذا الشعار عنوانَ الكتاب الذي صدَرَ عنه لمناسبة إزاحة الستارة عن تمثاله عند الحديقة العامة التي تحمل اسمه على الجادة التي تحمل اسمه في محلة الأونسكو.
إنه الرئيس صائب سلام الذي، منذ أول أحداث 1975 وقبل تَطوُّرها لاحقاً إلى حربٍ طويلة، أعلن أنّ “لبنان قام على المحبة، وبدون المحبة لا يكون لبنان”.
أنيقُ الطباعة هذا الكتاب، متوسّطُ الحجم، غَنيٌّ بالنصوص والصوَر: من صورة التمثال غلافاً، إلى صورة العائلة على درَج دارة آل سلام في المصيطبة حول الوالد أَبو علي سليم سلام يحيط به أبناؤُه محمد، مالك، علي، فؤاد، عبدالله، عُمَر، مصباح وصائب، إلى صورة صائب سلام معْتَقَلاً في مستشفى البربير بعد مظاهرة حرج بيروت (1957) ثم صورتِه خطيباً بضماداته على شرفة منزل المصيطبة بعد خروجه من المستشفى، فصُوَرِهِ في نيويورك مع الرؤساء نكروما ونهرو وسوكارنو وعبدالناصر حين ترأَّسَ وفد لبنان إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة (1960)، وفي القصر الجمهوري (1970) رئيسَ حكومة الشباب مع أعضاء حكومته والرئيس فرنجية والرئيس صبري حمادة، ففي مؤتمر لوزان (1984)، فمع أركان جمعية المقاصد رئيساً فخرياً لها، فصوَر الاحتفال بإزاحة الستارة عن تمثاله مع نصوص كلمات الاحتفال: عن لجنة أصدقاء صائب سلام رئيس النادي الرياضي وعضو مجلس أُمناء جمعية المقاصد المهندس هشام جارودي، وعن جمعية المقاصد رئيسُها المهندس أمين الداعوق، وعن مجلس بلدية بيروت رئيسه الدكتور بلال حمد، وعن العائلة النائب والوزير تمام سلام… إلى كلماتٍ أُخرى للمناسبة ومقتطفاتٍ من التغطية الصحافية لوقائع الاحتفال. ويحفل الكتاب بمعلوماتٍ ووثائقَ عن الرئيس صائب سلام: من توقيعه على أَوّل علَمٍ لبناني مع رفاقه قادةِ الاستقلال (1943)، إلى رئاسته حكومةً استقلاليةً احتياطية شكَّلها من دارته في المصيطبة مع هنري فرعون وغبريال المر وأحمد الأَسعد وحميد فرنجية وكمال جنبلاط (12 تشرين الأول 1943) إلى دخوله حكومةَ 1946 وپرلمان 1951 وترَؤُّسِه حكومةَ 1952، فحكومةَ انتخابات 1953، فحكومةَ 1960، فحكومةَ الشباب 1970، فحكومةَ 1972، إلى نشاطه السياسي المطَّرد نائباً وزعيماً سياسياً وفاقياً خلال الحرب في لبنان، وبينها جميعاً مآثرُه المقاصدية ومُحاضراتُه وخُطَبُه وأنشطتُه الاجتماعية والتربوية والثقافية والإنسانية والإسلامية والخيرية.
كتابٌ تذكاريٌّ مرجعيٌّ يعاد إليه عند استلهامِ قاماتٍ لبنانيةٍ سياسيةٍ إذا اتّخذَت موقفاً فلمصلحة لبنان العامة لا لمصلحة شخصية أو انتخابية، وإذا ناهضَت خصْماً سياسياً واجَهَتْهُ بنبلٍ وأخلاق، وإذا داهمَ لبنانَ خطرٌ حَمَت بحكمتِها شعبَ لبنان من التهوُّر والتوتُّر والانفعال، وبذلك كان صائب سلام مثالَ السياسيّ الذي يطوي صفحةَ البارحة ليفتحَ صفحة المسامَحة ويُطلقَ شعار “لا غالب ولا مغلوب” واعياً أنّ ما يُنقذُ لبنانَ أمسِ واليومَ وكلَّ يوم: بقاؤُه واحداً موحَّداً وابتعادُه عن الاصطفاف الإقليمي والخارجيّ كي لا ينقسِمَ شعبُه بين هنا وهناكَ وهنالِك، وهذا جوهرُ شعارِه الوطنِيِّ النَّبيل: “لبنانٌ واحدٌ… لا لبنانان”.