بعد ثلاثة كتبٍ: “الحَجَر” (عن بيوت لبنان)، “وادي القِدّيسين” (عن وادي قنوبين)، و”لبنان الأبيض” (عن ضِياعٍ لبنانيةٍ تحت لِحَافِ الثلج) كتَبَها المصَوِّر الفوتوغرافي ريمون يزبك بكاميراه البارعة، أَصدر كتابَه الرابع “تعابير” خصَّصَه للوجوه، رجالاً ونساءً في العُمر الثالث، وكلُّ وجهٍ منها يحمل تعابيرَ تقولُها أَخاديدُ وتَجاعيدُ حَفَرَها العمر عليه خارطةً لأيامٍ مضَت وأُخرى على حافَّة السنوات الباقية.
الكتاب من 416 صفحةً حجماً موسوعياً كبيراً، أنيقُ الطباعة، مُلَوَّنُها، في قسمَين:
*) أوّلَ من الصفحة 8 إلى الصفحة 245، يضمُّ مَجموعةَ صوَرٍ كبيرةً لوجوهٍ من مناطقَ لبنانيةٍ مُختلفة، بدءاً من عبدلّي فالأشرفية وانتهاءً بيارون فزحلة مع صورة الشاعر سعيد عقل. في القسم الأعلى من الصفحة صورةُ الوجه كما هو اليوم، وفي القسم الأسفل تذكرةُ هُويةٍ لصاحب/أو صاحبة الوجه، سنة الولادة، المذهب: لبناني، الصَّنعة، وحكمةٌ خاصة بصاحب أو صاحبة الصورة، مع صورة قديمةٍ أيام الشباب والصبا تعود إلى سنِّ التقاط الصورة على بطاقة الهوية. صورتان إذاً على صفحة واحدة: صورةٌ من ماضي الربيع، وصورةٌ من حاضر الخريف.
*) القسْم الآخرُ من الكتاب يَمتدُّ من صفحة 246 إلى آخر الكتاب صفحة 413، في عنوان “لَحظة من الحياة” التقَطَها المؤلِّف/المصوِّر لأشخاصٍ في لَحظاتٍ معيَّنةٍ وانْهِماكاتٍ منوّعةٍ ومن مناطقَ لبنانيةٍ مُختلفةٍ بدءاً من امرأةٍ في عبدلي تُنقّي العدس على طبليّة قش، وانتهاءً بزوق مكايل لِحائكٍ وراءَ نَوله الزوقيّ، مروراً براعٍ مع عنزاته في عين عكرين، وكَهْلَين يتسلّيان بطاولة الزَّهر أمام باب كاراج مقفل في عكار، وفرّان يسحب أرغفةً مُقَمَّرَةً طازجة من فُرنه في بعقلين، وسيدةٍ إلى ماكنة الخياطة في بقرقاشا، وأُخرى تَهُلُّ عجينة المرقوق فوق صاجِها في دير القمر، ومُزارعٍ يقشّر عشبة السليقة في الهرمل، ومبيّضٍ يعالج إبريق شاي في القلمون، وسيدةٍ إلى حبل الغسيل في النبطية، وصيادٍ يُحاور شبَكَتَه على شطّ صيدا، وختيارٍ يَمتطي حماره في تنورين، وآخرَ يُساير أَركيلته في طرابلس، وسيدةٍ تُحرِّك دِسْتَ شراب البندورة في وادي قنوبين، وصبحيةِ سيِّدتَين على درج البيت في قرنة شهوان، وعجوزٍ يتسَقسَق الماء من إبريقِه في جزّين، وعجوزٍ مَرِحٍ على موتوسيكل الشباب في جبيل، وحَطّابٍ يَهوي على جذْع شجرةٍ في جاج، وسيّدةٍ تَحمل ركوةَ القهوة وفناجينَها في حدشيت، وأُخرى تُقَشِّشُ سلّةً في إهدن، وحوارٍ مُحتدِمٍ بين رَجُلَين إلى حائطٍ في دوما، وكهلٍ يَحدُل سطْح بيته في بيت شلالا البترون، ومُزارعٍ يَقتلع حبوب الفِجْل من حقله في بسكنتا، وعجوزٍ تَسقي زُهورها داخلَ الحوض في الباروك، … وَصُوَرٌ وَصُوَرٌ تَتَتَالَى لِلَحَظاتٍ طريفةٍ فاجأَ بها ريمون يزبك أولئك الناس أَصحابَ الوجوه والابتسامات وتعابيرَ لم يُفقِدْها العُمْرُ المتقدّمُ شَعَّةَ الفرَح وحُبَّ الحياة ونبضةَ الحركة.
في مقدِّمة الكتاب ذَكَرَ صاحبُه أنْ خصَّصه لـ”رجالٍ ونساءٍ يَعيشون في سلامٍ وحُبٍّ،يعانقون الأمكنة وحجارةَ البُيوت فتَظهَر صورتُهم في حقلٍ أو حجَر، وكلّما اكتَمَلَ نقْشُهم في الحجَر ظهرَت ملامِحُهم، وبات الزمن نبْضاً من بشَر وحجَر”.
عملُ ريمون يزبك “تعابير” ليس كتاباً على رَفّ مكتبة بل تاريخٌ في كتابٍ ينفتح، كُلَّما انفَتَح، على سنواتٍ من العُمْر اختصرَتْها كَبسَةُ إصبعٍ على زِرّ كاميرا، جَمّدَتْها في اللحظة لكنّها لا تُجَمِّدُها في البال لذا تبقى نابضةً بِحياةٍ راعشةٍ وَلَو… صورةً في كتاب.