المبدعُ المثقَّف إلى السياسة
05 تشرين الثاني 2011
-718-
“أعرض لكم برنامَجاً فيه رؤيةٌ لِمواطنيةٍ شاملة في مُجتمع خلاَّق يستاهل جمهوريةً قوية تَجعلنا أمام العالم فخورين بأن نكون إيرلنديين”.
هذه العبارة كانت شعار الرئيس الإيرلندي الجديد مايكل هِغِنْزْ خلال حملته الرئاسية. وهو تنافسَ على الرئاسة مع رجل الأعمال سين غالاهِر الذي وضع كلّ ثروته وشبَكة علاقاته في حملته الانتخابية، بينما مايكل هِغِنْزْ، الشاعر والكاتب، وعَدَ الشعب بِما اعتادوه منه خلال سنوات عمله السياسي. فهو أَول وزير في إيرلندا للثقافة والفنون (1994-1997)، حقَّق إنْجازاتٍ ثقافيةً لافتة، أبرزُها تنميةُ الصناعة السينمائية (هو نفسُه كاتبُ سيناريو)، وقْفُ نظام الرقابة، إنشاءُ متاحفَ فنيةٍ وأثَريةٍ جديدة، فتْحُ مكتباتٍ عامة في كلّ البلاد، تدشينُ مسارحَ ومراكزَ ثقافيةٍ في المدُن والقرى، وضْعُ برامجَ ثقافيةٍ للسينما والموسيقى والثقافة العامة، تشجيعُ الإبداع لدى الموهوبين إيماناً منه بأنّ “الثقافة جُزء حيويٌّ من الحياة اليومية ويُمكنها أن تؤثِّر إيجاباً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية”. وهو كان لفترةٍ رئيس مَجلس وزراء الثقافة الأوروبيين. له كتابان شعريّان، ونشَرَ عدداً من المقالات الأدبية في المجلات الفكرية المتخصِّصة.
وفي أثناء رئاسته حزبَ العمّال، قام بِحملاتٍ قويةٍ ناجحةٍ غَيَّرَ فيها مفاهيمَ كانت سائدة، منها أنه ثَبَّتَ راتب المرأة معادلاً راتبَ الرجل حين تستحقُّه، ومنها شَرْعَنَةُ الطَّلاق، وحقوقُ المعوّقين، وإنْجازاتٌ إنسانيةٌ أخرى.
وهو يجيء من أُسرةٍ متواضعة، كان فيها أولَ مَن دخَل الجامعة، عانَت الكثير من الظلم إبان الأحداث الأليمة التي انتهت بولادة جمهورية إيرلندا (1922). لذا نشأ في شبابه الأول ناشطاً في جمعياتٍ ناضلَت من أجل العدالة والمساواة، وطبَعَ حياتَه السياسيةَ العامة مبدأُ “التناسق بين عواطف القلب وأفكار العقل”، فنجح عضواً في مَجلس مدينته غالْواي، ثم رئيس بلديتها، قبل أن يدخل الوزارةَ ويبرزَ فيها وزيراً ذا رؤيةٍ بعيدة لِخدمة شعبه وصورة بلاده، ما استقطب له شعبية واسعة رجلَ دولةٍ ذي مبادئ سامية في جميع الحملات السياسية التي قادَها وناصره فيها مواطنوه.
لذلك لم تُقْنِع وعودُ خصمِه رجل الأعمال باستقطاب الاستثمارات إلى البلاد، بينما أقنَعَ هو شعبَه بتاريخه السياسي الْمُشَرِّف، ورصيده الأدبي العالي، وإنْجازاته الآتية من بصيرته الواعية مصلحةَ شعبه ووطنه.
في العادة ألاّ يأتي السياسيّ إلى الثقافة لأنه لا يُتقِنُها. أما أن يأتي المبدعُ المثقَّف إلى السياسة، فكسْبٌ لهما، لأنّ رؤيته الإبداعية تنعكس على عمله السياسي فترفعُه إلى القِيَم، وتتركُ بعدَه أَثراً مثْمِراً في السياسة والثقافة معاً.