716: كاتبُ الظلّ: شريكٌ؟ أم قِناع؟

كاتبُ الظِّلّ: شريكٌ؟ أم قِناع؟
السبت 22 تشرين الأول 2011
-716-

عن تحقيقٍ في مجلة “إكسپرس” الفرنسية أَنّ “كاتب الظِّلّ” لم يَعُدْ “في الظِّلّ” بل خرَج إلى الصفحة الأولى من الكتاب زميلاً للمؤلّف، تَماماً كما تَرِدُ في جينيريك الفيلم، علَناً، أَسماءُ المشاركين في كتابة السّيناريو والحوار. وكشَفَ التحقيقُ أن ثُلثَي الكُتُب الصادرة في فرنسا “وَضَعها” كُلِّياً أو جزئياً “كُتّابُ ظِلٍّ” مفروضٌ عليهم الصمتُ والتواطُؤُ من أجل أَلاّ يظهر للأضواء إلا المؤلِّفُ الذي قد لا يكون له في “تأليف” الكتاب قسطٌ “إبداعي”، لكنه يقطفُ ثَمَرةَ “تأليفه” مبلغاً دسْماً من عائداتٍ يُسديها إليه الناشر الذي تبلُغ مداخيله من الكتاب مئاتُ آلاف اليُورُوَات لرواج مئات آلاف النُّسَخ، لا يكون “كاتبُ الظِّلّ” تقاضى منها سوى حفنةٍ ضئيلة، مع أنه هُو مَن سهِرَ على النصّ ساعاتٍ طويلةً في البحث والتقميش والتحرير.
حين يكون الكاتب معروفاً، يتحفَّظ الناشرُ أكثر على كشْف “كاتب الظِّلّ” كي لا يتأَثَّرَ رواجُ الكتاب بأنّ كاتبَه الحقيقيّ ليس “الكاتب المعروف”. ولا يُقِرّ الكاتبُ نفسه بذلك، فيشترطُ على “كاتبه في الظِّلّ” أَلاَّ يبوحَ بِهذا السرّ فَيَتَكَتَّم شديداً عليه.
بعيداً عن إسناد الناشر أو المؤلف مهمّةَ “الكتابة” إلى “كاتب ظِلّ”، كثيرون جعلوا من هذه المهمّة حِرْفتَهم أو بعضَها، يقطفون منها كُلَّ مدخولهم أو بعضَه، فلا إِشكالَ لديهم أَن يُبقوا عملَهم “سرّياً” لا يُعلِنون ماذا يكتبون ولِمن.
هذا الأمر ينطبق على الكتابات السياسية، يُزاولُها صحافيون أو كُتّابٌ لبعض السياسيين رؤساء ووزراء ونواباً وقادة وزعماء، وعلى الكتابات الأكاديمية يُزاولها خبراء أو ضالعون في الحقل لطالبي الماجستير أو الدكتوراه يكتبون لهم أطاريحهم الجامعية، فلا يَبقى على المتقدِّم الحقيقي سوى الدِّفاع عن أطروحته أمام اللجنة المشْرفة كي ينال الشهادة و”يَتَدَكْتَر”.
في عالَم الأدب والتاريخ قد يَختلف الأمر، إذ رُبّما يلجأُ مؤرخٌ أو كاتبٌ غزيرُ الإنتاج إلى “كاتب ظِلٍّ” يُهَيِّئُ له المعلومات الأدبية أو التاريخية أو الوثائقية ويقدِّمها إليه جاهزةً لاستعمالها في كتابه. هنا يعمَدُ بعض الكُتَّاب إلى شُكر معاونيهم بالاسم في آخر الكتاب، بينما البعضُ الآخَرُ لا يَذْكُر اسم أَحَد، ويتفرَّد ببسْط اسْمِه وحده على الكتاب مستعيضاً ببدلٍ مالِيٍّ لـ”المعاونين”.
وأياً يكن “كاتب الظِّلّ”:
قناعاً للمؤلّف يَنزَعه حين يشاء كي يُظهِرَ وجْهَه الحقيقيّ على أنه “حقيقيّ”،
أَم شريكاً للمؤلِّف في كتابه،
يبقى أنّ ظاهرة “كُتّاب الظِّل” لا تظَلُّ طويلاً في الخفاء، لأنّ الإبداعَ الحقيقيَّ وجهٌ حقيقيٌّ لا يُخفيه قناع.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*