سَقَطَتْ يَدُهُ وبَقِيَ القَلَم
السبت 15 تشرين الأول 2011
-715-
كلّما صدَحَ نداءٌ بالحرية، تَذَكَّرْنا فؤاد حدّاد: “اللبنانِيُّ حُرٌّ، غايةُ وُجودِه أن يُمارسَ حرّيته ويعيشَها ويُمضي عمرَه ينتزعُها ويستبقيها ويُحافظ عليها ويناضل من أجل أن تبقى له المقوّمات التي تسهّل له مُمارسة الحرية”.
كلّما اكتظّت ساحةٌ بالشعب يثور من أجل الحرية، تَذَكَّرْنا فؤاد حدّاد، وما كتبه في جَميلة بوحيرد: “نطالب بالعدالة من أجل أن تبقى في نفوسنا صورة لا نخجل منها، من أجل ألاّ نُضطرّ يوماً أن ندير وجهنا عمّن نُحب، من أجل أن تبقى للعدالة قيمتُها المطلقة” (شباط 1958).
كلّما سقطَ قلمٌ في بَحر الشهداء من أجل لبنان، تَذَكَّرْنا فؤاد حدّاد، وما كتبه: “حين يتشبّث الإنسان بمواقف معنوية، برغم قواهر الحياة، ينتزع لَها تعبيراً في وُجودِه، من دون أن يُسَمّيها قِيَماً. هذا التشبُّث العنيد هو هو مَدارُ التاريخ اللبناني”.
سُوطاً كان فؤاد حداد، لا قلماً. رعداً لا صوتاً. ضميراً لا كاتباً. لبنانِيَّ النبض، لا مُواطناً حيادياً: “تاريخُنا ليس في الكُتُب، بل شاهدُهُ الإنسان اللبناني، فإذا عزّت الشهادات عن تاريخ لبنان، يبقى اللبناني شاهداً حياً. فالذي كَوَّنَ الكيان اللبناني عبر السنين هو الضمير اللبناني”.
وكلّما تطلّع لبنان إلى صوتٍ يرتفع في وجه ظالمٍ أو قاهرٍ أو مُحتلٍّ أو منتدبٍ جديد، تَذَكَّرْنا صوت “أبو الحن”: “لبنانُ مساحةٌ روحيةٌ، إن تكن جغرافيتُهُ حدَّدَت شكلَه، فمساحته الروحية تبقى على مداها ولا تتأَثّر بالطوارئ السياسية”. وعبارته هذه سبقَت عبارة قداسة يوحنا بولس الثاني “لبنان رسالة”. ومن هذه “المساحة الروحية” نَنْدَهُ العالم أنّ لبنان جودةٌ لا عدد، نوعيةٌ لا كمية، قيمةٌ لا ديموغرافيا، تاريخٌ لا جغرافيا، ووطن اللقاء، لقاء عائلات روحية كوَّنَتْ عائلةً لبنانيةً واحدةً غنيّةَ الجذور، لا وطن افتراق أبنائها وهجرتهم المُرّة بسبب قادةٍ وسياسيين من مصالحهم ألاّ يكون شعبُ لبنانَ واحداً موحّداً.
من أجل هذا الـ”لبنان اللبناني الواحد” استشهد فؤاد حدّاد عن 43 سنةً مليئةً بِحُبّ لبنان.
لكي يبقى لبنانُ لبنانِيَّ النبض الحر والقرار الحُرّ يبقى بيننا “أبو الحن”. والذين اغتالوه سنة 1958 كان فؤاد النحيل القامة الضئيل الصوت، لكنهم لم (ولن) يغتالوا قلم “أبو الحن” المديد القامة، الجليل الصوت: “الشعبُ اللبناني يولد حراً، ولا يتعامل إلا مع الأحرار”.
في ربيع لبنان المتطلّع إلى حرية القرار فيظل رائداً سَبّاقاً في هذا الشرق، نَتَذَكَّر فؤاد حداد، ونصوغُ من ضلوعنا ريشةَ وفاءٍ على جناح “أبو الحن”.