الحلقة 1032: قَمْعُ الآخَر شعارٌ في قاموس الصُّهيونية
الأربعاء 25 كانون الثاني 2012
في الكنيسِّت الإسرائيلي قبل أَيام حادثةٌ تشير في وضوحٍ إلى المعيار الذي تتّخذه الدولة الصهيونية لحقوق الإنسان واحترام الرأْي الآخر.
جرى ذلك في لَجنة پَرلُمانية إبّانَ نقاشٍ حول السماح لتلامذة مدرسةٍ فلسطينية بالخروج إلى تَظاهرةٍ تدعو إلى احترام حقوق الإنسان في إسرائيل. وفيما كان عضو حزب العمل الإسرائيلي النائب الفلسطيني غالب مَجادْلَة يدافع عن ضرورة السماح للتلامذة بالتظاهر، انتفضَت ضدّه النائبة الإسرائيلية آناستازيا ميكاييلي (من اليمين المتطرف عن حزب ليبرمان، وسابقاً عارضةُ أزياء روسيةُ الأصل) فهاجمتْه بوقاحة دفعَتْه إلى طلبه من رئيس اللجنة البرلمانية إسكاتَها. عندها لَم تتمالك أعصابها ففتَحَت زجاجةَ ماءٍ أمامها ملأَت منها كوباً زجاجياً أفرغَتْه على وجه النائب الفلسطيني وثيابه، وخرجَت وهي تُتَمْتِمُ بكلماتٍ تُشبهُها، ليست طبعاً من قاموس القيم والأخلاق. ونقلت مَحطات التلڤزيون تلك اللحظات إلى كل العالم.
تلك النائبة ذاتُها اصطدمت قبل أشهر مع النائبة الفلسطينية في الكنيسِّت حنان الزعبي لأن هذه الأخيرة دافعَت عن سفينة الحرية حاملةِ المساعدات إلى سكّان غزة، واتَّهمَت إسرائيل بالتحضير مسبقاً لارتكاب مَجزرة ضدّ أسطول الحرية ولِمنْع أيِّ حملةٍ أخرى من كسر الحصار عن غزة.
وتلك النائبة ذاتُها قادت حملةً مسعورةً لاستصدار تشريع پرلُماني في الكنيسِّت الإسرائيلي يفرض على المآذن خفضَ أصوات المؤذِّنين وقتَ الصلاة، بحجة أنَّ الصوت العالي يُسَبِّب التلوُّث السمعي. لكن مُحاولتها فشِلَت وهوجمت النائبة لكونها تشجِّع التعصُّب الديني والتمييز العنصري.
من هذه الحوادث الثلاث مع نائبة إسرائيلية واحدة، يتَّضح أكثرَ فأكثر أيُّ دولةٍ عَدُوَّةٍ فاشيّةٍ تُجاورُنا، وأيُّ ديمقراطيةٍ زائفةٍ تدَّعيها، وأيُّ غُولٍ شرس يترصَّد فرائسه منذ 1948 في فلسطين الداخل، وفي جنوب لبنان حتى بيروت قبل ثلاثة عقود، ولا يزال يَحتلُّ قسماً من أرضنا، ويغتصِب أجواءَ من سمائنا، ويسرق منابع من مياهنا، ويُهدّد كلَّ فترةٍ بنية لبنان التحتية، ويضغط على دول القرار كي تزعزعَ بُنْيَتَنا الفوقية، غولٌ شَرِهٌ لاهثٌ أبداً صوب توسُّعٍ تُصيبُ لبنانَ شظاياه، وبراكينُه تصيب أَرض فلسطين وشعبَها ومستقبلَها الغامض.
بعد رشْق النائب بالماء، بَرَّرت تلك النائبة فِعْلتَها بأن الماء يُبَرّد هياج الغضب، وصرَّح النائب الفلسطيني للصحافة: “فِعْلَتُها تكفي وحدَها لتَنوبَ عن كل جواب”.
بلى: وهو هذا ما يقوله لبنانُ للعالم الذي يشهد الاعتداءات الإسرائيلية على أرضنا وجوّنا ومياهنا: “هذا العمل وحده يكفي ليَنُوبَ عن كلّ جواب”.
“الماء يبرّد الغضب”؟
لكنّ جميع مياه الأرض لن تكفي لتبريدِ غضَب شعبنا الذي يعرف أن إسرائيل سببُ الهزّات التي ما زالت تضرب لبنان منذ 1948 حتى اليومِ وكلِّ يومٍ سيبقى العالم فيه يدافع عن حقوق الإنسان في إسرائيل، ويدَّعي أنها دولة… ديمقراطية.