منذ صدوره سنة 1985، وهو مرجِعٌ في حقله، يُعادُ طبعُه، ويُستشهَدُ به عند كل بحثٍ في الموضوع.
إنه كتاب “لبنان في الكتاب المقدس” للقس غسان إيليّا خلف: دراسةٌ تاريخية لاهوتية في 350 صفحة قطعاً كبيراً، فيها وقائعُ وحقائقُ وخرائطُ مواقعَ وفهرسُ أعلامٍ وأسماءَ وأماكنَ وشواهدَ من كلّ الكتاب المقدس.
غايتُه واضحةٌ من العنوان: الكتاب المقدّس، وهو الأكثرِ طباعةً في العالم، لبنان مذكورٌ فيه 70 مرة، والأرْزُ 75 مرة، وصور 59 مرة، وصيدا 50 مرة، إضافة إلى ذكْر 35 قريةً ومدينةً وعشرِ مناطقَ جميعُها في لبنان.
تاريخيّاً: تَرِدُ في أَسفار الكتاب المقدس حقائقُ عن عظمةِ صُور واتساعِ نشاطها التجاري، وأهميةِ صيدونَ وشعبِها، ونشاطِ الفينيقيين التجاري والبحري، وزيارةِ المسيح جنوبَ لبنان في صيدا وصور وتَجَلّيه على جبل حرمون.
جغرافيّاً: يُبرز الكتاب من سفر القضاة أنّ جبل لبنان يمتدّ من جبل حرمون إلى مدخل حماة، ما يشير إلى امتدادٍ جبليٍّ للبنان من جبل الشيخ إلى شِمال سهل البقاع.
وأورد المؤلِّف تلازُمَ اسم لبنان والأرز في عشرين موضعاً، وذكْرَ لبنان ومواقعَ منه في ستة عشر سفْراً من الكتاب.
من قرائن الكتاب المقدَّس، هنا بضعةُ أمثلةٍ تشير إلى عراقة وطننا منذ فجر التاريخ.
في سِفْر يشوع نقرأ: “أخذَ يشوعُ تلك الأرضَ من الجبل الصاعد، إلى بعل جاد في بقعةِ لبنانَ تحت جبل حرمون”.
وفي سِفْر القُضاة نقرأ: “قال العوسج للأشجار: إن كنتم بالحق تمسحونني، تعالَوا واحتموا تحت ظلي، قبل أن تخرجَ نارٌ من العوسج وتأكلَ أرز لبنان”.
وفي سِفْر الملوك الأول نقرأ: “أَرسِلْهم إلى لبنانَ عشْرة آلاف في الشهر، يكونون شهراً في لبنان وشهرين في بيوتهم”.
وفي سِفْر أخبار الأيام الثاني نقرأ: “وأَرسِلْ لي خشبَ أرزٍ وسرْوٍ وصندلٍ من لبنان، فأنا أعرف أنّ رجالَكَ ماهرون في قطع خشب الأرز”.
وفي سِفْر عزرا نقرأ: “أَعطوا فضةً للنحاتين والنجارين، ومأكلاً ومشرباً وزيتاً للصيدونيين والصوريين كي يأتوا بِخَشب الأرز من لبنان إلى بحر يافا حسب إذْن قورش ملك فارس”.
وفي سِفْر المزامير من المزمور 72 نقرأ: “حفنةُ قمحٍ في الأرض من رؤوس الجبال، تتمايل مثلَ لبنانَ سنابلُها، وتزهر في المدينة مثلَ عشب الحقل”.
ومن النشيد الرابع في سِفْر نشيد الأناشيد نقرأ: “هلُمّي معي من لبنان، يا عروس من لبنان، شفتاكِ شهداً تقطُران، تَحت لسانكِ عسلٌ ولبن، ورائحةُ ثيابكِ زكيَّةٌ كرائحة الأرز في لبنان… هلمّي معي يا أختيَ العروس، يا جنةً مقفَلَةً، ويا ينبوعاً مَختوماً، ينبوعَ جنّاتٍ وبئرَ مياهٍ عذبةٍ من أنهار لبنان”.
وفي النشيد الخامس من السِفْر نفسِه نقرأ: “حبيبي فتىً كالأرز، طَلْعَتُهُ كلبنان… أَنفُهُ كبُرجِ لبنان الناظرِ إلى دمشق”.
وفي سِفْر إشعيا نقرأ: “تفرح البرّيّةُ والأرض اليابسة، يبتهجُ القفْر، يُزهرُ النرجس، ويعطى له مجدُ لبنان وبهاءُ الكرمل”.
… وسواها وسواها من الآيات والأسفار والذِّكْر المتكرّر للبنان، يَحفل بها هذا الكتاب: “لبنان في الكتاب المقدس”، شهادةً أخرى على عراقة لبناننا الغالي الذي لا يرى منه قصيرو النظر سوى بضْعٍ من تاريخ، فيما هو الْمُشِعُّ خَلْقاً وخُلْقاً ساميَيْن، على الناصية العليا من نواصي الزمان.