مساحةٌ أجملُ للحَياة
السبت 10 أيلول 2011
-710-
أمس الأول، الخميس، كان “اليوم العالَمي لِمحو الأمّيّة” تحتفل به سنوياً منظَّمة الأونسكو كلَّ 8 أيلول منذ أطلقتْه يوماً عالَمياً سنة 1965. وهي جعلَتْ شعارَه هذه السنة “مَحو الأمّيّة في خدمة السلام”، وأصدرَت بيانَها السنوي قبل يومين عن “مَحو الأمّيّة وتعليم الكبار في العالم” وَرَدَ فيه أنّ 793 مليوناً من الكبار، ثُلثَاهم نساء، لا يملكون القدرات الأساسية للقراءة والكتابة (أي أنّ واحداً من كل خمسة كبار في العالم هو أُمّيّ)، وأنّ 68 مليون وَلَد خارج المدارس.
شعار 2010 كان “مَحو الأمّيّة واستقلال المرأة الذاتي”، وشعار 2009 كان “مَحو الأمّيّة أساس الإنماء”، ما يشير إلى أهمية تعليم الكبار وتوجيه الصغار إلى المدارس، لا في بناء الأوطان بل في بناء إنسانية لم تَعُد قادرةً على قبول أُمّيّين في عصر الاتصالات والمواصلات والاكتشافات العلمية وإنجازات بشرية يغنم منها أربعة مليارات إنسان في الكرة الأرضية.
الأونسكو تُخصّص جوائز سنوية لِهيئاتٍ عاملة على مَحو الأمّيّة. وإذا جوائزُ هذه السنة ذهبَت إلى بوروندي (أفريقيا الشرقية) والمكسيك والكونغو والباكستان والفيليبين، فلأنّ هذه البلدان أجرت إحصاءات رسمية سنوية أرسلَت نتائجَها إلى الأونسكو أملاً بتَدَخُّلها الذي يَدعَم ويُساعد مادياً ولوجستياً وعلْمياً وعَمَلياً ما يُسهم في مساعدة تلك الدول على مَحو الأمّيّة.
هذا “اليوم العالمي” يدعو إلى التفكير في أوضاعٍ وحالاتٍ تفترض أوضاعُها حلولاً جادّة ناجعة. فمَحو الأمّيّة لا يقتصر على دُربة تعليم القراءة والكتابة وفْق مبادئ التعَلُّم الأساسية البديهية، بل يتعدّاها إلى وضع خطَطٍ تُنَمّي مهارات تتطلَّبها تقنياتُ هذا العصر المتطوّرة، بوَضْع برامجَ ومناهجَ ووسائلَ ووسائطَ تربويةٍ وقوانينَ تَحمي وأنظمةٍ تساعد على مواجهة المشاكل المستعصية، فتُخَفّف التسرُّب المدرسي، وتعالج عمالة الأطفال، وتوعّي على نتائج الزواج المبكر لدى الفتيات، وترعى شؤون التربية، وتضع برامجَ مساعدةً، فتُسهم عندئذٍ في تخفيف المشاكل وفي محو الأمّيّة بمعناها الأوسع.
هكذا لا يعود مَحو الأمّيّة قصراً على الصغار وحسب بل يشمل الكبار أيضاً في فئات اجتماعية عدة، ذكوراً وإناثاً، وفي بيئات اجتماعية مختلفة، وحالات عِياديّة متفاوتة بين المرضى والصُّمّ والبُكم والمستوحدين الانطوائيين، وسائر مَن يعانون مِن حالات أخرى، تعالجها المقاربات العصرية الجديدة والتكنولوجيا المتطورة التي تغطّي بلدان الجنوب كما بلدان الشمال.
مَحو الأمّيّة، في عصرنا، لم يعُد عملاً تربوياً وحسب ولا اجتماعياً وحسب، بل بات فعلاً إنسانياً يُعْلِي المحتاج إلى فضاءٍ من السعادة يَجعل هذه الأرض، فعلاً، مساحةً أجملَ للحياة.