707: أحرارٌ ولو… بين الوحوش!

أَحرارٌ ولَـو… بين الوحوش!
السبت 20 آاب 2010
-707-

في الجنوب الشرقيّ من مقاطعة “پاپُوْ وَازي” الإندونيسية، قبيلةُ “كورو وايي”، إحدى 250 قبيلة في إندونيسيا تعيش منعزلةً عن العالم الخارجي لم ينكشف أمرها إلاّ في مطلع الثمانينات حين بَلَغَتْها الحكومة الإندونيسية وأجرت إحصاء تقريبيّاً لها. ويبدو أن “كورو وايي” هي الأكثر انعزالاً، دلّ إحصاء 2010 أن أهلها يبلغون 2870، يعيشون في بيوتٍ نباتيّةٍ عشبيّةٍ معلّقةٍ على قمم أشجار يبلغ علوُّ بعضها ثلاثين متراً، هرَباً من الحشرات والزواحف والحيوانات المفترسة وقبائل عدوّة في تلك الأدغال البرّيّة المخيفة. وما سوى قلة منهم يسكنون بيوتاً على الأرض بَنَتْها لهم الحكومة.
يعيش أهل “كورو وايي” من الصيد البري والمائي وبعض زراعات محلية. لا كهرباءَ لديهم ولا مياه شرب ولا مدارس. يتجوّلون عراةً بلا حَرَج. لغتُهم إحدى لغات غينيا الجديدة، معظمها بالإشارات. أُمِّيُّون في أكثرهم، تركيبتُهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تخضع لنظام إتنيّ أَبوِيّ ما زال فيه نظام السّلْفة (زواج الشقيق من أرملة أخيه عند وفاته بلا وريث)، دينُهم أحيائي (الروح مبدأ النفس والجسد)، يُجِلّون قدامى أسلافهم ويؤْمنون بالتناسخ: أمواتُهم يرسلون من عالمهم إلى عالم الأحياء مَن يولدون أطفالاً من جديد. معظم مواردهم من تجارة الـ”كالامباك” (عود هِنديّ زكيّ الرائحة)، يشتريها منهم تجارٌ بـ4 دولارات للكيلو، ويبيعونه في أوروبا والشرق الأوسط بما لا يقلّ عن 1000 دولار.
في نهاية السبعينات وصل إليهم مرسَلُون هولنديون قاومهم السكّان رافضين تبشيرهُم. وسنة 2009 حقَّق فريق التلفزيون الفرنسي فيلماً وثائقياً عنهم في سلسلته “مواعيد نائية في بقاعٍ مجهولة”.
حاولت الحكومة الإندونيسية إخراجَ هذه القبيلة من بدائيّتها وأرضها، وتقديمَ مناطق أخرى لها، وأغراءَها بـ”تسهيلات” التَّمَدُّن والتعلُّم والطبابة، ظاهراً لتحويلها إلى المدنيَّة، وباطناً لاجتثاث أشجارها البرية، واستبدالِها بزراعة نَخيل يعطي زيتاً، وللإفادةِ من خيرات تلك الأراضي البكر.
الشاهد: قبيلة بدائية تعيش حُرّةً هانئةً حيث هي، لماذا “تغزوها” المدنية بإخراجها من بدائيتها السعيدة وحريتها المديدة لإدخالها في حريةِ المدنيّة التي لا تناصر شعوباً متمدّنةً تريد تغييرَ إنقاذ حياتها من عبودية الظلم والتوتاليتاريا إلى وَسَاعة الحرية وتَحسين ظُروف العيش وبُلوغِ رَفاه الحياة؟
ومن قال إن العيش في المدنيّة أكثر حرية من العيش في هناءَة الأدغال؟
المدنيّة الحقّة هي التي تناصر كلّ عيش رغيد.
فلْتَتْرُك الهناءة حيثُ هي، ولو في الأدغال، ولتُسعِف طالبي الحرية. إنهم أَحَقُّ بالدعم من سُكّانٍ يعيشون أحراراً ولو بين… الوحوش، وهانئين سعداء على… قمَم الشجر!

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*