حرف من كتاب- الحلقة 19
“ذاكرةُ لبنان في صُوَر”- مجموعة باحثين
الأحد 19 حزيران 2011

         ليس كالصورةِ الصامتةِ نُطقاً للتعبير عن لَحظةٍ تُجَمِّدُ حركة التاريخ في لقطةٍ تَخترقُها العين إلى زمانها فتستعيد الزمان وما فيه، ومَن فيه، وتبقى في البال لَحظةً لا إلى نسيان.
من هذا المنطق الاستذكاري أطلعَت “الوكالة الوطنية للإعلام” كتابَ صورٍ، أنيقَ الإخراج، بليغاً بصُوَرِهِ القديمة والحديثة، لِمناسبة بلوغ الوكالة خمسين عاماً من الخدمة الإعلامية، فجاء كتابُها ذاكرةً في 192 صفحة تَضُمُّ 170 صورةً بين 1961 و2011، وتَختصر مَحطاتٍ لافتةً من تاريخ لبنان الحديث في نصف قرن من الزمن اللبناني، أَسْوَدِه ورَماديّه ومُلَوّنِه.
تفتتح الكتابَ كلمةٌ من الوكالة إلى مَن تعاقبوا على إدارتها، منذ تأسيسها في 7 تَمّوز 1961 بالمرسوم 7276 على عهد وزير الإعلام عبدالله المشنوق، حتى بَدْءِ عمَلِها في 19 آذار 1962 مع أوّل مديرٍ لها: باسم الجسر، وتَتالي مدرائها رضوان مولوي، زهير السعداوي، محمد المشنوق، يعقوب خليفة، رفيق شلالا، خليل الخوري، أندريه قصّاص فَـلُور سليمان، وبلوغِها اليوم أن تكون مؤسسةً إعلاميةً رسميةً تسعى إلى تغطية الأحداث في كل لبنان، بصورة إيجابية وحيادية، خصوصاً بعدما تَمَكْنَنَتْ وباتَت نابضةً إنْتِرنِتيّاً لَحظةً لَحظةً مع حصول الحدث، نَصّاً وصوتاً وصورةً على موقعها الإلكتروني، ما يَجعلُها من أحدَث الوكالات الإعلامية الشقيقة في الشرق العربي.
تتصدَّرُ قسمَ الصُّوَر هذه العبارةُ من جبران في “النبي”: “اللازَمَنِيُّ فينا واعٍ لازمنيةَ الحياة، ويعرف أن البارحةَ ذاكرةُ اليوم، وأن الغدَ حلمُ هذا اليوم”.
وتتالى الصُّوَر نوستالجياً، شريطَ ذكرياتٍ وتذكارات، أَعلامٍ وإعلامٍ ومعالِمَ وعلامات، من الصورة الأُولى سنة 1961 لوزير الخارجية فيليب تقلا ابن الزوق على درج قصر الرئاسة الأُولى في الزوق، إلى الصورة الأخيرة بعد خمسين سنةً لرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان يقدِّم هديةً تذكاريةً إلى البطريرك الجديد مار بشارة الراعي يوم تكريسه في 25 آذار 2011.
وبين هاتين الصورتين: 170 صورةً لرؤساء لبنان تباعاً منذ فؤاد شهاب، ورؤساء حكوماته منذ صائب سلام، ورؤساء مَجالسه النيابية منذ صبري حمادة، وعشراتِ الوُزَراء والنوّاب المتعاقبين، إلى أحداثٍ كبرى عصَفَت بلبنان أو شخصياتٍ عربية وعالَمية زارت لبنان، إلى تواريخَ لبنانيةٍ دامغةٍ خارج لبنان، إلى شوارعِ بيروت الستّينات وسياراتِها القديمة، وعماراتٍ باتت اليومَ في النّسيان المكاني فجاء هذا الكتاب يَحفُرُها في التذكُّر الزمانِيّ ناطقاً بصَمْت الصُّوَر.
كتاب “الوكالة الوطنية للأنباء”، بعنوانه الرئيسي: “ذاكرة لبنان في صوَر”، وعنوانِه الثانويّ “لتبقى الذّكرى عِبرةً للمستقبل”، وبكاميرات أرشيڤ الوكالة ومؤسسة “دالاتي ونُهرا”، هو فعلاً ذاكرةٌ للبنانَ في نصف قرن، لا يُؤرِّخ تواريخَ وأَسماءَ وحسْب، بل يَحفَظُ لِغَدِنا ما قاله جبران أن يكون غدُنا حلمَ يومنا، عسى أن يَحفَظَ أبناؤُنا غداً حُلْمَنا بِهم أن يُواصِلوا حَمْلَ الشعلة اللبنانية من جيلٍ إلى جيل.
هكذا نستحقُّ – في غدنا – أن نَحفظَ لبنان.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*