كان يُمكن أن يكونَ صاحبُ هذا الكتاب كاتباً مُحترفاً وضَعَه للصغار، كما العادةُ في حالاتٍ مُماثلة.
غير أنّ فرادتَه كونُهُ من وضْع الصغار فكرةً ونصّاً ورُسوماً ورسالةً في آخر النص موجَّهَةً إلى رفاقهم الصغار في لبنان.
هؤلاء هم تلامذةُ الصف الخامس الأساسي (ز) {CM2G} في مدرسة الليسيه الفرنسية اللبنانية الكبرى، وهوذا كتابُهُمُ الجميلُ “سيرة ذاتية لأرزة من لبنان” في اللغتين الفرنسية والعربية، لا مترجَماً من إحداهُما أو إلى إحداهُما، بل مكتوباً لكلّ لغةٍ منهما في قصة مختلفة.
في النص العربي حكايةُ شجرةٍ صغيرةٍ وُلِدت في غابة الأرز على قمة بشرّي، فَسَمَّتْها أُمّها “أَرزة” وربّتْها بعنايةٍ وحنان فنَمت شجيرةً صغيرةً مزهوّة بجمالها.
وكانت في الرابعة من سنيِّها يوم هبّت على جبال لبنان عاصفة ثلجيةٌ هوجاء صمدَت في وجهها شجراتُ الأرز الدهريةُ، لكنّ الصغيرة “أرزة” لم تصمُد، فاقتلعَتْها العاصفةُ وَرَمتْها بعيداً، بعيداً، في حديقة بيت غريب.
في الصباح دنت منها فتاةٌ هي ابنةُ ذاك البيت وحاوَرَتْها فَحَكَت لها “أرزة” عن أرضِها الأمّ في غابة الأرز، وعن الأرز وتاريخه وأمجاده، وما كتب الشعراءُ وغنّى المغنُّون عن الأرز وجماله ومعانيه. ونَمَت صداقةٌ بين الفتاة والشجيرةِ “أرزة”. ومرّ ربيعٌ، ومـرّ صيفٌ، و”أرزةُ” تَذوي من الشوق إلى أرضها الأُم في الغابة، والفتاة تحزن لذلك، حتى رضِيَتْ مُرْغَمَةً بنصيحة والديها أن يُعيدوا “أَرزة” إلى غابة بشري.
وهكذا كان… وعادت “أَرزةُ” إلى غابة الأرز هانئة إلى انزراعها من جديدٍ في تربة جذورها. وقبل أن تُودِّع صديقتها الفتاة، أوصَتْها بأن تَنشُر في مُحيطها رسالةً مقدسة: الحفاظُ على أشجار الأرز التي هي رمز لبنان.
في النَّص الفرنسي حكايةٌ مُماثلةٌ لشجيرة أرز تدعى “الأرزة المقدسة” (Sacré Cedrus) وُلِدَت هي أيضاً سنة 2007، وكانت في الرابعة من سنيِّها حين اقتلعتْها تلك الريح الهائجة ورمَتْها بين دوّامات الثلج فكادت تختنق، حتى صدَفَ أن رفعَها رفشُ جارف الثلوج، فحَمَلَها إلى بيته ووضعَها في إناءٍ فخّاري قرب المدفأة، فَدَفِئَتْ لكنها كانت تشعر بغربة شديدة وتوقٍ قويّ للعودة إلى أرضها الأم، وكان أن حملَ إليها القدرُ حارسَ غابة الأرز وأعادها إلى موطنها الأول في الغابة بين أهلها الأرزات، فوجَدَت شقيقتَها “أرزة” عادت هي أيضاً بعد غُربتها القاسية، والتأم شَمْلُ الأرز في غابة الأرز.
وفي هذا القسم الفرنسي الأكثر تَوَسُّعاً معلوماتٌ غنيّة عن الأرز في نصّ سَلِسٍ من مستوى الصغار.
الكتاب حالياً يُطلَب من “الليسيه”، وقريباً في معرض الكتاب الفرنسي.
وهو حافزٌ لجميع المدارس كي تقومَ بما قامت به معلمة الفرنسية في “الليسيه” السيدة أميرة جابر، إذ أنشأَتْ “مُحترف كتابة” للصغار وقسَمت الصف إلى فرق، وزَّعَت عليها العمل: بَحثاً وتجميعَ معلوماتٍ وكتابةَ نصٍّ ووضْعَ رسومٍ تناسب تفاصيل النص، حتى خرجَ هذا الكتاب النموذجي.
ولو ان كلّ مدرسة في لبنان قامت بعملٍ نبيلٍ تربويٍّ تثقيفيٍّ كهذا، لَتَكَوَّنَ عندنا جيلٌ جديد من أبنائنا الصغار يكبَرون على وعْي لبنان، وفهْم لبنان، واكتناهِ قيمةِ لبنانَ الحقيقية.
ولا يَحتاجُ لبنان من صغارِهِ اليوم إلاّ وعيَهم حقيقتَه اللبنانيةَ التي وحدها تَجعلُهم غداً حُماةَ وطنهم على مستوى تلك الحقيقة الخالدة.