كي لا تكون هويَّـتُـنا قاتلة
السبت 2 تموز 2011
– 700 –
عند سماعي بفوز أمين معلوف في الدخول إلى الأكاديميا الفرنسية، خالداً مع الخالدين،
استعرضتُ في بالي مناخ كتاباته ورسالتَها في مؤلّفاته التي انتقلَت بالترجمة إلى عددٍ من اللغات العالمية،
فتذكَّرتُ من كتابه “الهويات القاتلة” هذه العبارة:
“نِظرتُنا إلى الآخرين غالباً ما تَسجنهم في انتماءاتهم الضيّقة، ونِظرتُنا إليهم يُمكنها أن تُحرّرهم”.
قد لا تنطبق عبارةُ الأمين على زمن لبناني كما على هذا الزمن الراهن الذي
يتَّهم فيه هذا الفريقُ ذاك الفريقَ الآخر بنُعوتٍ تكشف نظرة هذا إلى ذاك.
فالأخير يدّعي أنه المقاومة والممانعة والصمود
ويتّهم الآخَر بأنه صنيع المشروع الأميركي الصهيوني،
وهذا الأخير يتّهم الفريق الآخَر بأنه بوق الخارج الإقليمي أو صنيعته.
ولم نسمع أحداً من الفريقَين يتّهم الآخَر بأنه أقَلُّ منه لبنانيةً أو دُونه انتماءً الى الوطن الوحيد لبنان قبل أيّ انتماء آخَر.
النظرة إلى الآخَر وفق معتقدات كلٍّ من الفريقَين تنطلق وفق انتمائهما معاً في نظرة واحدة إلى الوطن.
الانتماء يعني الهوية.
والهوية لا تكون واحدةً ونصف واحدة، أو كاملةً إلاّ رُبعاً، أو تتنقّل وفق المعطيات والظروف.
الهوية تكون واحدةً وحيدةً فتُحْيي،
أو لا تكون فتصبح “هوية قاتلة”.
وهو هذا طرْحُ أمين معلوف عبر بطل روايته المولود في ألْمانيا من والدَين تُركِيَّين،
فلا هو الألماني في نظرة مجتمعه المحيط،
ولا هو عاد التركي في نظرة مجتمعه الأصلي
(وأمين معلوف ليس بعيداً عن ذلك هو اللبناني المولد والفرنسي الجنسية، فإلى أين ينتمي؟).
وهل فعلاً لا يمكن حامل أكثر من جنسية أن يكون له أكثر من انتماء؟
خطَرُ هذا النّزاع على الهوية والانتماء أنه قد يُودي إلى الاقتتال على مَن مِن الأفرقاء يملك الهوية الصحيحة.
فالمحدودُ النظرة يُقْفل على الآخَر ساجناً إياه في التهمة،
والمنفتح النظرة يُحرّر الآخَر من كل تُهمة.
وهذه مسؤولية السياسي القائد الذي في كلامه المنغلِق النظرة إلى أخصامه
يُحرّض أزلامه ومُحازبيه ومَحاسيبه بالنعوت والتُّهم
فينقادون لتحريضه أغناماً صاغرة ببّغاوية تتصاعد وتيرتُها
حتى تَبلغ صداماتٍ مع الأخصام ينتُج عنها أن يدفع الوطن ثمنها حرباً أهلية
يسقط فيها الشوارعيون وينجو منها الْمُحَرّضون.
مُجرّد وصْم الآخَر يَسجنه في انتمائه،
ومُجرّد فهْم الآخر بالحوار والاقتبال يُخلّصه من ذلك السجن الانتمائي،
فتصبح الهوية الواحدة جامعة.
ولبنان اليوم يَحتاج إلى أن يتوقَّف قادته السياسيون عن تبادُل الرشْق بالتُّهَم والرشْق المضادّ
وإلاّ أصبحت هويتنا… قاتلة.