1003: خنْقُ صوت الديك لن يؤخّر طلوع الصباح

الحلقة 1003: خَنْقُ صوت الديك لن يؤخِّر طلوع الصباح
الأربعاء 6 تَمُّوز 2011

لم تكد تَهدأُ عاصفةُ الحَجْر على دومينيك ستروس كانّ،
تَحت الإقامة الجبرية داخل شُقّة في فندق نيويوركي،
حتى ظهرَتْ جليةً كذبةُ المدّعية عليه، عاملة الفندق،
وظهرَ، من تسجيلٍ لِمخابرةٍ مع صديقها، أنها كذِبَت في شهادَتها أمام المحقق،
وأنها فعلَت ما فعلَت وادّعَت ما ادَّعتْه،
لابتزاز رجلٍ غنيٍّ، ذي مكانةٍ دُوَلية، مرشحٍ لرئاسة فرنسا في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وبعدما خسِر الرجل منصِبه رئيساً لصندوق النقد الدولي لتحلّ مكانه نهائياً كريسْتين لاغارد،
وبعدما تشوَّهت صورتُه
وانصدع تاريخُه الأكاديمي أُستاذَ الاقتصاد في كلية باريس الجامعية للدراسات السياسية،
وتاريخُه السياسي وزيراً للصناعة سنة 1991،
ثم وزيراً للمال والاقتصاد في حكومة ليونيل جوسبان سنة 1997،
ونائباً في مجلس الشعب طويلاً،
ها هي العدالة تَظهر من جديد في وجهها الحقيقي
وتُظهر زيف ادّعاء تلك المرأة،
وتُعيد إليه حريتَه
ليعودَ من أسفل السُلّم
ويرفعَ الدعوى على مدينة نيويورك،
وقد يربحُ دعواه
ويُجَرِّمُ المدينةَ بِحُكْمِ عطلٍ وضرر يعيد إليه اعتباره وربّما يرهق نقدياً خزينة الولاية.
هذا لنقول إن التسرُّع بالحكْـم على المتّهم قبل جلاء الحقيقة،
قبل انتهاء التحقيق،
قبل استجواب الشهود،
قبل استكمال الملف،
قبل جلاء وضع المتَّهم المطلوب بالقرار الظني،
يؤدّي إلى تسرُّعٍ في تشويه السُّمعة،
وتحطيم مستقبلٍ للمتهم قبل أن تَثْبُت براءتُه، إن كان حقاً بريئاً.
هنا يكمن الجدل بين مقولة
“أنتَ متَّهم حتى تُثْبِتَ براءتك”
أو “أنت مُجرمٌ حتى تدان”،
وفي الحالتين لا يجوز التسرُّع في استباق المحكمة،
وفي التشكيك بِصدقية المحكمة واتهامِها بالانحياز،
قبل انتهاء استجوابـاتٍ قد تبَرِّئ متّهماً سبقتْها الافتراضات حوله،
أو تَحكم على متَّهم سبقته الصياحات بأنه بريء.
الأمرُ لا يحتمل الجدل:
إذا كان المتَّهَمُ بريئاً من التهمة،
لِماذا استباقُ المحكمة أو رفضُ المثول أمامها أو رفضُها أَساساً؟
وإذا لم يكن بريئاً واستبقتْها افتراضاتٌ أو مواقفُ رفض،
فهذا يشير إلى أن المتَّهمَ غيرُ بريء،
وتالياً لن يُثبت براءَته في المحكمة فيكونُ غيابُه عن جلساتها دليلَ إثبات التهمة عليه.
وهو ما لم يفعله دومينيك ستروس كانّ، فَمَثُلَ أمامها،
وها هي العدالة تُثبت كذِب ادعات المدَّعية،
وتُعيد النظر في محاكمته التي كانت متسرِّعةً في الاقتصاصِ منه
واتخاذِ إجراءاتٍ تعامَلَت معه مُجرماً ساقطاً
في تُهمة لم تكن بِهذا الحجم،
لكن اعتباراتٍ عاصفةً جمحَت بمحكمة نيويورك
سترتدُّ جامِحةً عليها
حين يقف مُحامو ستروس كانّ في قوس المحكمة
ويُظْهرون تَسَرُّعَ المحكمة الأميركية
ومثالبَها التي لن تكون إعلامياً وقضائياً في صالح الحكْم الصادر عنها.
إن التسرُّع في استباق العدالة،
رفْضاً إياها،
أو رفضَ المثول إليها،
أو افتراضَ حكْمِها سلفاً،
أمرٌ فاضحٌ يشير إلى أنّ المفترِضَ مُغْرِضٌ في افتراضه،
ولن يُفلِتَ متَّهَمُهُ من قبضة عدالةٍ تُمهل ولا تُهمِل،
خصوصاً حين تُعيد النظر في ملفّاتها،
فتَظهرُ شمسُ الحقيقة التي قد تَحجُبُها غيومُ التضليل والتعليل والتهويل والتنكيل،
لكنه حَجْبٌ لِحينٍ ولو طال،
لأنّ الشمس لا بُدَّ أن تعودَ فتُشْرِقَ بالحقيقة،
ولأنّ خَنْقَ صوتِ الديك لن يُؤَخِّر طلوع الصباح.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*