في 264 صفحة من الحجم الموسوعيّ،
وفي طبعةٍ فخمةٍ أنيقةِ الإخراج،
أصدَرت لجنة جبران الوطنية كتاب “إقلِب الصفحة يا فتى”،
تَعَاوُناً مع وزارة الثقافة (ضمن منشوراتها في سنة “بيروت عاصمة عالمية للكتاب”).
وهو مُختاراتٌ مَخطوطةٌ “من دفاتر جبران خليل جبران” بِخطِّه في العربية والإنكليزية،
حقَّقَها حافظُ متحف جبران وهيب كيروز،
وراجَعَها رئيسُ اللجنة السابقُ أنطوان الخوري طَوق،
وهي من مَجموعة سبعةَ عشرَ دفتراً
وعشراتِ القُصاصات والرسائل وأوراقٍ صغيرةٍ مُختلفةِ الأحجام
كان جبران يدوّن عليها أفكاراً ضمَّت بعضَها كتاباتُهُ وكتُبُه لاحقاً،
وبعَضُها الآخرُ تركَه كما هو
على تلك الأوراق التي بقيَت مطويةً منذ غياب جبران قبل ثمانين عاماً،
لتظهرَ اليوم في هذا الكتاب النفيس،
مُلْقيةً أضواءَ إضافيةً على شخصيّة جبران وفكْره،
ما لم يضمَّه متحفُه الكامل ولم تَحتوِهِ مؤلفاتُه العربية والإنكليزية.
أهميةُ هذه الصفحات النادرة من جبران
أنها ليست مَجْلُوَّةً كما حين تَصدُر مطبوعةً في كتاب،
ولا هي في شكلِها النهائي كما لوحاتُ جبران النهائيةُ في المتحف،
بل ظهرَت هذه المخطوطاتُ كما هي،
بِخَربشات جبران عليها،
بتصحيحاتِه مرةً ثانيةً أو ثالثةً لكلمةٍ واحدة يَستبدلُها،
يُعدِّل فيها،
يُنقّحها،
يَكتب حدَّها أو فوقها مرادِفاتٍ لها بالفصحى أو العامية،
أو يُخطِّط رسماً أو رُسوماً لأفكارٍ تَكُون خطَرَت له وهو يكتب،
على أن يتمِّمَها لاحقاً في رسم بالرصاص أو لوحة زيتية.
وهو كتبَ أحياناً كلمةً واحدة على صفحة كاملة،
أو جملةً كتبَها في صِيَغ مُختلفة على الصفحة نفسها أو في صفحات لاحقة،
في بعضها هِناتٌ لُغَويةٌ إملائيةٌ أو نَحَويةٌ تدُلُّ على عدم امتلاكِه العربيةَ في مطالعه،
لكنَّ في بعضها الآخر لغةً سليمةً سلسةً سهلةً عذبةً
هي الْـأَسّست لاحقاً أُسلوبَ جبران
الذي بات مدرسةً أدبية في أدب المهجر وفي اللغة العربية المعاصرة.
صفحات هذا الكتاب أفكارٌ متقطعةٌ وتعابيرُ منفصلةٌ لا يربط بينها أيُّ قصد،
وأمثالٌ وحِكَمٌ ومطالعُ قصصٍ أو مقالاتٍ أو حواراتٍ أو نصوصٍ مسرحيةٍ غير مكتملة،
دوَّنَها جبران كيفما اتَّفق، بالحبر الأزرق أو الأسود أو الصيني أو القلم الرصاص،
حتى إذا امتلأَت صفحتُه البيضاءُ بِخواطره
كتب في أسفل الصفحة:
“إِقْلِب الصفحة يا جبران”، أو “إقْلِب الصفحة يا فتى” ومن هنا عنوان هذا الكتاب.
ومن تسلسل الموادّ كرونولوجياً
تتبيَّن مراحلُ تطوُّرِ جبران ونضجِه اللغويّ والفكريّ،
منذ رسائله إلى أبيه وهو تلميذُ معهدِ “الحكمة” في بيروت،
إلى أفكارٍ لكتابه الأول “نبذة في الموسيقى”،
إلى مرحلة دراستِه الرسمَ في باريس،
إلى فترة الحرب العالمية الأُولى،
إلى تأسيس “الرابطة القلمية” في صومعته النيويوركية مساء 20 نيسان 1920.
ويبدو أن لجنة الكتاب لم تنشُر جميع تلك المخطوطات،
إمّا لِوَهْنٍ فاضح في لغتها فلا تؤثِّر على صورة جبران المشْرقة،
أو لصعوبةِ تفكيك خُطوطها التي أمضى وهيب كيروز فترةً مضْنية في تفكيكها.
لذا تناولت اللجنةُ البقيةَ غيرَ المنشورة
واحتفظَت بها في ملفّات خاصة
يطّلع عليها في متحف جبران مَن يرغب في قراءتها على حدة.
***
مع كتاب “إِقْلِبِ الصفحة يا فتى”،
يظهر جبران من دون “رتوش”،
عفوياً على سجيّته،
مسترسلاً لتلقائيّته،
ما يَجعل هذا الكتابَ ضَرورةً أُولى لِمن يريد معرفة جبران في حَمِيميّته
خارجَ النهائيات التامة في كتبه العالَمية أو في لوحاته الخالدة.