973: في البحث عن الزِّنّ

الحلقة 973: في البحث عن الزِّنّ
الأحد 9 كانون الثاني 2011

في الطقوس البوذية أنّ الزِّنّ (zen) مَذهبٌ دينيٌّ يقوم على التأَمُّل،
والاستغراق في التفكير،
والتعبُّد المطلَق،
عبر الغوص إلى داخل الذات
بلوغاً إلى حالاتٍ من الحكمة والاستنارة تؤدِّي إلى اليقظة العليا.
وفي الطقوس الموسيقية أنّ الزَّنَّ تعبيرٌ اصطلاحيّ عن مساعدة الملحِّن على إيجاد النوتة التي تَقوده أو تُعيده إلى الإيقاع.
إذا كان الزِّنّ البوذيّ قديماً منذ القرن السابع الميلادي،
فالزَّنّ الموسيقيّ يعود إلى قرون سحيقةٍ مذ كانت الموسيقى.
وإذا كان الزَّنُّ الموسيقيُّ فناً يقوم على التوازن في الإيقاع والنغَم فلا نشازَ ولا نوتاتٍ مغلوطة،
فالزِّنُّ البوذيُّ فنٌّ في الحياة، يقوم على هدوء الفكر وسلام الروح، ويؤدي لا إلى فَهْم العالم بل إلى فَهْم مَن
نحن في هذا العالم.
ومثلما الزَّنُّ الموسيقيُّ يحتاج علْماً لبُلوغه،
هكذا الزِّنُّ البوذي يحتاج تَعَلُّماً لبلوغ “حالة الزِّنّ” التي
يرتاحُ فيها العقل،
وتسودُ فيها الحكمة والرويَّة ومراقبة الذات من أجل حالة أفضل،
بعيداً عن التشنُّج والتسرُّع والانفعال،
وصولاً إلى الإنتاجية البنّاءة فالإبداع الخلاّق.
ما الذي يستدعي اليوم هذا الحديث؟
يستدعيه وضعُ اللبنانيين اليوم، وما هُم عليه من ضَياعٍ في إيجاد الحلول، بين:
مَن يبحث عنها في الداخل،
ومَن يفتّش عنها في الخارج عند السوى،
ومَن يتفاءل فينتظرُها تأتي بعد العاصفة،
ومَن يتوقُّعها حتى قبل حلول العاصفة،
ومَن يتشاءم فيراها لن تأتي لأنّ تسونامي هائلاً سيقَع في البلاد،…
والمواطنُ قلِقٌ خائفٌ لأنه لا يعرف إلى أين يَسير به بعضُ القادة والمسؤولين،
ولا يَستوعب عددَ الجهات التي يَشدُّهُ إليها هذا، ويُريده إليها ذاك، ويُهدِّده بها ذلك،
فإذا به يعيش انتظارَ حدثٍ ما،
في وقتٍ ما،
في ظرفٍ ما،
وتضيع منه الأربع الجهات معاً فيضيع في عواصف الأحقاد والتشاتمات والاتهامات.
هذا هو اللبناني اليوم،
وهو أحوج ما يكون إلى الهدوء والتأمُّل والتفكُّر،
في حالة شبيهةٍ بِحالة “الزِّن النفسية” الهادئة كي يسترجعَ هدوءَه وصفاءَه،
وفي حالةٍ شبيهةٍ بالزَّنّ الموسيقي كي يستعيدَ إيقاعه وهدوءَه وتوازُنَه.
لن يُنقذ اللبنانيَّ اليوم إلاّ بَحثُه عمَّن يزِنُّهُ في اتّزان،
ليستعيدَ حالة الزِّنّ الحكيمة،
ونُوتَة الزَّن الصحيحة،
فَـيَـتَـزَنَّـنَ لبنانُ كلّه في انضباطٍ روحيٍّ وفكريٍّ ومعنويٍّ وسياسيٍّ وشعبيٍّ ومزاجيٍّ حَليمٍ وحكيم،
ويعيش اللبنانيّ في “حالة الزِّنّ” الهادئة،
ويسترخي وسْط جوٍّ ضاغطٍ قاهرٍ ساحقٍ يَعصُفُ به في دُوارٍ يوميّ.
بلى:
البحثُ عن الزِّنّ والزَّنّ، في هدوئه وإيقاعه، هو ما يُعْوِزُ اللبناني اليوم.
فإما أن يُـزَنّ،
وإمّا أن يُجَنّ.
وما أصعبَ أن يكون الإنسان في حالةٍ رماديةٍ بين أن يُزَنَّ أو أن يُجَنّ.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*