الحلقة 941: مِـيـتُـومَـانِـيُّـون
الأحد 20 أيلول 2010
في الأمراض النفسانية أنّ الميتومانيا مرضُ الكذب. والمصابُ به يكذِبُ لأن الكذب طبيعةٌ فيه أقوى من طبيعته العادية.
والميتومانيون (مرضى الميتومانيا) يجدون حاجةً للكذب لا يستطيعون مقاومتها. يخلقون منها حياةً لهم يعيشونها هاربين من حياتهم العادية. يكذبون، يكذبون… حتى يصدّقوا كذبهم ويعتبروه واقعاً حاصلاً لا يَعُون هم زَيفَه بل يعيه المحيط حولهم.
من هنا أن مريض الميتومانيا يعيش حياةً موازيةً حياتَه، حياةً خلقَها هو بكذبه وتصديق كذبه حتى التصقَت به طبيعة حاسمة فيكذب من دون أن يقصد، ويكذب من دون أن يدري، ويكذب من دون أن يريد، لأن الكذب فيه بات طبيعته الأصلية، لا يمكنه أن يتخلّى عنها، ومن دونها لا يستطيع العيش طبيعياً بين الناس.
والميتومانيا تتصاعد في نفس صاحبها جنوناً بشخصه حتى يصاب بجنون العظمة فيختلقَ جوّاً حوله مِمّن يرَون فيه عظيماً. فهو يكذب ولا يوحي بأنه يكذب بل يعيش كذبه حتى الهستيريا وفقدان الأعصاب، ويوحي به للآخرين أنه واقع حتى يوهمَ الآخرين بكذبه ويَجُرَّهم الى حلقة أكاذيبه.
الكذّاب العادي عادةً لا يؤذي، مع أنّ الكذب، في ذاته، مؤذٍ. قد يكذب أحياناً لحاجات تافهة صغيرة لا خلفية وراءها، كأن يكذب كي لا يَجرح أحداً أو كي لا يُغضب أحداً، أو يكذب كي يمدح الآخر، أو كي يتجنَّب مشكلةً قد تقع.
الميتومانيّ يزوِّرُ الحقيقة ليصل الى غايته. يكذب ليعيشَ كذبتَه ويصدِّقَها. ولا يعود يميز بين الواقع وما ينسجُه خياله هو من أكاذيب، ويوهمُ الغير كي يصدِّقها الغير أيضاً.
الكذب آفةٌ قد تكون عارضةً أو بسيطة، بينما الميتومانيا مرضٌ خطيرٌ يلزمه علاج.
والميتومانيا تصيب عادةً بعض رجال السياسة الذين يتحجَّجون – تَجَوُّزاً – بأنّ “السياسة فنُّ الكذب”. وهي ليست كذلك أبداً عند رجال الدولة. فالفرق بين رجل السياسة ورجل الدولة، أنّ رجل السياسة يكذِب كي يُوصِلَ شخصه، بينما رجل الدولة يَصْدُقُ كي يُوصِلَ شعبَه.
وإذا كان دونكيشوت رمزَ الميتومانيين، فالدونكيشوتيون كثيرون، خصوصاً في عالم السياسة الذي خطرُ الميتومانيين فيه أنهم لا يَسقطون وحدَهم في جحيمه، بل يَمتدُّ خطرهم الى شعبٍ يصفّق لهم، غيرَ مدركٍ أنّ تصفيقه سيُوْدِي به الى قعر الهاوية.