الحلقة 940: التصرُّف الأنيس في الاعتذار من الرئيس
الأربعاء 15 أيلول 2010
بقدْرِما أثارت العبارةُ صدمةَ الحضور، عادَت الصدمة فتلاشت عند تقديم صاحب العبارة اعتذارَه الى رئيس الجمهورية.
كان هذا قبل فترةٍ، في إحدى جلسات الكونغرس، والرئيسُ الأميركي أوباما يشرح فكرته في إتاحة الفرصة أمام السكان غير الشرعيين للإفادة من البطاقة الصحية. وقبل أن يُنهي الرئيس عرضَ فكرتِه صدرَ صوتٌ عالٍ في القاعة صارخاً: “كذَّاب”. كان ذلك صوتَ النائب الجمهوري عن ولاية كارولاينا الجنوبية جو وِلسون. ووسْط ذهول الحضور على المنصة وفي القاعة، تَمالَكَ الرئيس أعصابه، وابتسمَ، ولَم يُجِب، وأَكملَ شرحَ فكرتِه في هدوءٍ ورَوِيّة.
حدثَ ذلك بعد الظهر. وقبل أن يأتي المساء، رنّ هاتفُ مكتب الرئيس في البيت الأبيض، وعلى الخط النائبُ جو وِلسون نفسُه، طالباً التكلُّم مع الرئيس. ولأن أوباما كان في اجتماع عمل، تحوّل الخط الى رئيس موظفي البيت الأبيض، النائب الديمقراطي رام إيمانويل، فبادرَه ولسون: “أنا اليوم لم أتمالَكْ أعصابي. أطلقتُ الحرية لانفعالاتي المتسَرِّعة وفقدت السيطرة على كلماتي حين كان الرئيس يتكلّم. صحيح أنني ما زلت غير موافق على طرح الرئيس، لكنني أعترف بأن ردّة فعلي كانت في غيرِ موضعها وغيرَ لائقة، وأنا نادم عليها، وأريدكَ تنقلُ الى الرئيس اعتذاري العميق على هذا النقص الفادح في اللياقة”.
في اليوم التالي اتصل كبير موظفي البيت الأبيض بالنائب الجمهوري المعتذِر، ليُبلغه أن الرئيس أوباما قَبِلَ اعتذاره.
وبثّت شبكة “سي.إن.إن” نبأ اعتذار النائب الجمهوري من الرئيس الديمقراطي، وعاد يسري في الأوساط السياسية تصويبٌ لِموقفٍ متشَنِّجٍ متهوُّر انفعاليّ أَودى بنائبٍ الى ارتكاب تَهجُّم لاأخلاقيّ على رئيس الجمهورية ثم الى ندمِه فتقديمِ اعتذارِه.
صحيحٌ أنْ ليس في السياسة موقفٌ دائمٌ ولا صديقٌ دائمٌ. لكنّ الاختلاف في الرأي أو الموقف لا يعني الخروج عن اللياقة في المخاطبة والتعاطي، ولا إطاحة أخلاقيات مدنيةٍ تفترض البقاء في قاموسٍ أخلاقيّ للمناهضة أو المناقشة أو الاعتراض أو المعارضة.
لذا لم يعوّض عن خطإِ النائب المتهوِّر الانفعالي جو ولسون إلا تقديمُ اعتذاره العلنيّ الى رئيس الجمهورية الذي، في قاعة الكونغرس، تلقّى التهجُّم بصدره الرحب وحكمته الهادئة، وفي اليوم التالي قابل الاعتذار بقبوله الاعتذار.
السياسة فن الحكم؟ صحيح. ولهذا الفن نُظُمُه وقواعدُه وكبارُه وحكماؤُه وقاماته العالية.
ويا تعْسَ من يظُنّ أنه، في أدائه السياسي، فوق النُّظُم والقواعد والكبار والحكماء والقامات العالية، لأنه يَسقط عميقاً تحت ضلاله، فيما يتوهّمُ أنه لا يزال يعلو ويرتفع على أكتاف أنصاره ومُحازبيه.