884: أربعة أيام في بيروت الجديدة

الحلقة 884: أربعة أَيام في بيروت الجديدة
الأحد 28 شباط 2010

تتواصل التعليقات الأجنبية الإيجابية حول بيروتنا الغالية التي لا تنفكُّ تجذب من يعرفُها ومن لم يعرفْها بعد.
وها هي جريدة “الفيغارو” الفرنسية تَنشُر، مطلع هذا الأسبوع، مقالاً لكاتبها فيليب ديپلاسّ (Philippe Desplaces) في عنوان “أربعة أيام في بيروت، المدينة الجديدة” يروي فيه مشاهداتِه خلال زيارة نظَّمها مكتب السياحة اللبناني في باريس.
وإن يكن عادياً للبنانيين (ومَن يعرفون لبنان) ما جاء في هذا المقال، فاللافت فيه لقطاتٌ معيَّنةٌ لاحظَ فيها الكاتبُ تناقضاتٍ ليست عندنا تناقضاتٍ سلبيةً بقدرِما هي جُزءٌ من النسيج اللبناني الفريد شكلاً ومضموناً في حضور ثقافي وحضاري.
فهو لاحظ في وسَط بيروت تَجاوُرَ عشر كنائس وستة مساجد، وخليط سيارات فخمة مع سيارات عتيقة، وسمّى بيبلوس “سان تروپيه لبنان”: “مظاهر العصر في إحدى أقدم مدن العالم المسكونة”. وجذبه في “الصيفي ڤيلدج” خليطٌ لونيٌّ بين سوق المآكل الطبيعية وأفخم الأبنية المرممة على أحدث طراز. وأَخذه تنوُّعُ المشهد وغِناه بين حيٍّ في البسطة وشارع مونو في حي الجميزة، وأنه لم يشعر بالغربة خلال حديثه الى الناس في الشارعَين لكونهم يحادثونه بفرنسية مُتقَنَة. ووجد في المتحف الوطني آثاراً عريقةً في القدم، أَبرزُها ناووس أحيرام الذي عليه أقدم نقوش ترقى الى القرن العاشر قبل الميلاد، ومنها كانت أبجدية جبيل أقدم أبجدية ناطقة في العالم. ونوَّه بمرافق ثقافية في بيروت مزدهرةٍ ببادرة فردية من المجتمع المدني وبأنّ الدولة “متحرّرة من التزامها بالحركة الثقافية”. ولم يجد لدى الأسواق المتجدّدة في بيروت ما يعود الى الماضي سوى ريازة هندسية شرقية جميلة فيما واجهات المحال تحفل بأسماء أحدث وأرقى الماركات العالمية وأغناها. وأحبّ في وسط بيروت أحياء منوعة مختلفة المصادر التراثية والروحية والحضارية لكنه يضمها جميعاً في مناخ بيروتي لبناني صِرْف لا يشبهه مناخ سواه في أية مدينة. ولم ينسَ أن يذكر ما في مطاعم بيروت ومقاهيها من سُحُبٍ في الجو ترسلها أَفواهُ مدخّني السيجارة والسيجار والأركيلة، كتبها في عبارات لاذعة تدل على موقفه من هذا المشهد الذي لَم يعد يراهُ في فرنساهُ ولا في معظم أوروبا.
وغادر الكاتبُ في اليوم الرابع حاملاً معه مشاهداتٍ أَحَبَّها، ومعايناتٍ دَوَّنَها في مقاله خاتماً إياه بأن بيروت العائدة، سياحيةٌ بامتياز، وأنّ ما يَجري في عروقها يشيرُ في وضوحٍ الى أنها “مدينة حيّة تُشرق صوب المستقبل”.
بلى: هذه هي بيروت، النسيجُ الفريد، المدينةُ الجميلة، عاصمةً رائعةً تختصر لبنان بمناخها الحضاري الذي، في تناقضاته، يعطي لبنانَ نكهةَ وطنٍ متميِّزٍ في تاريخٍ غير عاديّ.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*