883: من مظاهر العريضة إلى المُظاهرات العريضة

الحلقة 883: من مَظاهر العريضة الى المُظاهرات العريضة
الأربعاء 24 شباط 2010)

نادراً ما تَمُرّ فترة إلاّ وتطالعنا وسائلُ الصحافة والإعلام بِخَبرٍ عن عريضةٍ تتقدّم بها جهةٌ تنادي بمطلبٍ ما، بمشروعٍ ما، باعتراضٍ ما، وترفعه الى المسؤولين في الدولة أملاً بأن يدرسوه ويعملوا على حلّه أو معالجته.
وغالباً ما تنطوي العريضة في دُرْج المسؤول أو تنتهي عموداً في جريدة أو خَبَراً يَبُثُّه مذيعٌ، وينتهي الأمر.
غير أن الأمر لا ينتهي، ويجب أَلا ينتهي: إذا كان “صوت الشعب من صوت الله”، فالمجتمع المدني هو هذا الصوت الذي ينقل نداءات الشعب الى مسامع المسؤولين. وتالياً إن لم يكن المسؤولون مسؤولين عن هذا الشعب وعن سَماع تلك النداءات، فَعَمَّن هم إذاً مسؤولون، وما الذي يُبقيهم بعدها مسؤولين؟
من عريضة تعديل سن الاقتراع للثامنة عشرة، الى عريضة الأمهات حول “الجنسية حق لأولادي” الذين من أَبٍ غير لبناني، الى عرائض المعوّقين المطالبين بحقوقهم المشروعة، الى عريضة الكوتا النسائية في المجالس البلدية والنيابية، الى عرائضَ كثيرةٍ تُطالعنا أو نُطالع عنها، صادرةٍ عن المجتمع المدني اللبناني الذي حقيقتُه في جوهره، وجوهرُه عصَبُ الناس، نبضُ الشّعب، وخصوصاً حين يتحرّك المجتمع المدني لأمورٍ أجدرُ بالدولة نفسها أن تتحرك لها، لاسيَّما بعرائض في قضايا تراثية (كالتنبيه على جسر الحجر في فقرا من تشويهه بالبناء عليه)، أو في قضايا بيئية (كالتنبيه على تراث محطة القطار في طرابلس وهي تتهيَّأُ للاحتفال بعيدها المئوي بعد أشهر، أو كالتنبيه على قطع أشجار الأرْز، أو الحفاظ على حيّز الصيادين في عين المريسة)، أو في قضايا ثقافية (كالتنبيه على درب الجبل التي يهدّد الأسفلت بإزالة آثارها وتالياً آثارِ آبائنا الذين شَقّوها بأنفاسهم قبل أيديهم 440 كلم من القبيّات الى مرجعيون عبر 70 مدينة وقرية، بينها مواقع ثقافية وأثرية وطبيعية مهددة بالزوال).
هذه، وسواها، قضايا مُلِحّة أحرى بالدولة أن تقوم بها، لا المجتمع المدني الذي يتحرّك مكان الدولة، فالأجدر بها، على الأقل، أن تأخذ جدياً هذه العرائض ولا تعتبرها كلاماً على ورق مذيَّلاً بتواقيع مواطنين، بل هي قضايا عادلة، سلمية على الورق، غير أنها قد تخرج من سلمية الورق الى علمية التحرك، فيتـحوّل الأمر من الحجج الى الاحتجاج، ومن مَظاهر العريضة الى المظاهرات العريضة، وعندها لن تعود للدولة قدرةٌ على سحب العرائض من أدراجها، لأن الأدراج لن تعودَ تكفي كي تُعيدَ ماردَ الشعب الى قُمْقُم الدولة.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*