الحلقة 864: مستقبل الكتاب بين الشاشة والدفَّتين
الأربعاء 9 كانون الأول 2009
في الندوة القيِّمة التي شهدها قصر الأونسكو صباح الأحد الماضي حول مستقبل الكتاب، توزَّعت الآراء بين القلق على الكتاب الورقي من زحف الكتاب الإلكتروني عليه، وبين الدفاع عن الكتاب الرقمي وما له من حسنات وفاعلية.
وأرى أنّ هذا النقاش طال – وسوف يطول بعد -، بين المدافعين عن الكتاب في دفّتي الورق، والمدافعين عن الكتاب على شاشة الكومپيوتر، ما دام فريق من القرّاء لا يزال يفضّل حمل الكتاب الورقي وتقليب صفحاته، طويلاً قبل أن يقتنعوا باستخدام تكنولوجيا العصر لقراءته على شاشة الكومپيوتر أو القارئ الإلكتروني أو أية وسيلة أُخرى تطلع بها التكنولوجيا بين فينة وأخرى.
يبقى أمر ثابت لا الى جدال: لا غنى عن الكتاب الورقي مهما تطورت تكنولوجيا العصر. هذا من حيث المضمون. أما من حيث الشكل فالكتاب الإلكتروني، في مواقع وحالات كثيرة، أسهل منالاً وأوسع انتشاراً وأفضل عملياً من الكتاب الورقي، خصوصاً حين الكتاب موسوعي من مئات الصفحات أو من أجزاء عدة لا يمكن نقلها بسهولة لمطالعتها والبحث فيها أينما كان، بينما يمكن ذلك في كتاب إلكتروني يسهل حمله حاملاً في قلبه آلاف الصفحات في قطعةٍ لا يزيد وزنها عن بضعة ميليغرامات.
الكتاب الورقي بُعدٌ إحاديٌّ مَحدودٌ في حجمه الوحيد وبين دفتين من غلافَين، يجب الخروج عنه للبحث في سواه عن مصادر في مكان آخر أو مراجع أخرى، بينما الكتاب الإلكتروني أفق مفتوح على البحث داخل الشاشة الواحدة، يمكن البحث فيها عن كلمة، أو مرجع، أو تفصيل آخر يعني الكتاب نفسه، فيما يبقى الكتاب أمامنا على الشاشة مفتوحاً على حيثما نكون.
الكتاب الورقي صفحة مَحدودة جامدة، الكتاب الإلكتروني فضاء مفتوح لامَحدود.
الشاشة تستوعب مئاتِ كتُبٍ تتيح البحث فيها وعنها وإليها في جَلسة واحدة، الكتاب لا يتيح البحث إلاّ فيه وحده.
الكتاب الورقي مَحدودُ النسخ المطبوعة والقراء، الشاشة لامحدودة النسخ والقراء.
الكتاب الورقي ينتقل سلحفاتياً بالبريد، الكتاب الإلكتروني ينتقل بأسرع من البرق الى ملايين القراء في لحظة واحدة.
لا بدّ من الكتاب؟ طبعاً لا بُدّ من الكتاب. إنما فلْنَفْتَح له الآفاق بِما يستاهلُهُ منَ انتشار، كي يكونَ على الشاشة خُبزاً مَجانياً خيّراً وكريماً لِجميع الجائعين في العالم الى قراءة الكتاب.