الحلقة 863: عُروض المهرجانات بين السياحة والثقافة
الأحد 6 كانون الأول 2009
من أبرز الخلاصات التي خرج بها الملتقى الأول للمهرجانات في البلاد العربية (انعقد في بيروت هذا الأسبوع) ثلاثٌ رئيسية: هُويةُ العروض بين سياحية وثقافية، دورُ الصحافة في التقييم، والمصادرُ الرسمية لدعم المهرجانات.
ولعلّ موضوع الهوية هو الأبرز وطنياً في التسآل: هل جميع المهرجانات ذاتُ طابع سياحي؟ أم انّ بعضَها يتَّخذ من السياحة حُجَّةً لتقديم عروضٍ ترفيهية تجعلها ذات سياحة تبسيطية ليست من صميم السياحة الحقيقية، بل تستقطب أهل البلدة أو الجوار الى سهرة غنائية تحصل في أيّ تلفزيون أو أية حفلة عادية لِمُغَنٍّ تشاركه راقصة وينتهي الأمر. بينما العروض التي تستحقُّ شرف السياحة هي تلك التي تُقدِّم مستوى مَحلياً وإقليمياً ودولياً يؤولُ فعلاً الى جذبٍ سياحيّ ذي مردود معنوي ومادي هو الذي تشهده السياحة في لبنان، خصوصاً في السنوات الأخيرة، وتحقق به مورداً فعلياً للدولة ومُحركاً فعلياً للدورة الاقتصادية.
أما الصحافة فليست دائماً غربالَ ما يعطى، بل تقتصر غالباً على سردٍ انطباعي بَحْت ليس من التوجيه في شيء، فتنقل أفقياً ما جرى، وهذه من مَهامّ الإعلام. الصحافةُ نقد، الإعلامُ نقل. الصحافةُ تَنقية، الإعلامُ تَغطية. دورُ الصحافة: غربلةُ العروض بين جيّدٍ وعادي ورديء، كي يتبصّر الرأْي العام فلا يظنّ كلّ عرض في أية بلدة أو أية دسكرة يستحقّ أن يحمل اسم “مهرجان” سياحي أو ثقافي أو دولي.
تبقى مسألة الدعم، وهي عصبٌ رئيسٌ ينوءُ تَحته كلُّ مهرجان، لأن الدعم إن لم يكن من صُلب سياسة الدولة في دعم الثقافة، يبقى استنسابياً من دون معيار، ويظلّ العمل الثقافي رازحاً تحت التعثّر أو الانتقاء غير العادل. ولنا العِبَرُ في دولٍ تعي أهمية العمل الثقافي هُويةً للوطن في الوطن وفي العالم، إيماناً من هذه الدول بأن الوجهَ الثقافي هو الوجهُ الأبقى والأرقى والأنقى في استعادة صورة الوطن أو في ترسيخها. ويلفت هنا أنْ تُخصص الجزائر مبلغ 300 مليون دولار سنوياً لدعم المشاريع والأنشطة الثقافية، وهي أضخم ميزانية في العالم العربي، تعيد الجزائر الى الواجهة الثقافية العالَمية بعد عَقْد مظلم من التخبُّط السياسي، ما أتاح هذا العام وحده تنفيذ 61 مهرجاناً داخلياً مَحلياً، و20 مهرجاناً وطنياً، و18 مهرجاناً دُولياً، رَعَتْها جميعَها ميزانيةٌ من الدولة لتشجيع العمل الثقافي والسياحي والمهرجاني.
المهرجانُ الراقي عنوانٌ مُشِعٌّ للسياحة في الوطن، وعنوانٌ مرجعيٌّ للثقافة في هذا الوطن.
فلنْحْسِنِ اختيارَ الهوية الفنية التي تجعل من وطننا عَلَماً ناصعاً يوزّع على المواطنين والزوّار والسيّاح خبز السياحة والثقافة معاً، من أجل صورةٍ مَحلّيّة وإقليميّة وعالَميّة للبنان نَتركُها إرثاً غنيّاً للأجيال المقبلة.