الحلقة 865 : هـكـذا تـكـلَّـم الـنُّـوّابُـوسـتْـرا
الأحد 13 كانون الأول 2009
6 جلسات ماراتونية، 66 متكلماً معظمهم بحماسة هَمايونية، طوال 26 ساعة تلفزيونية، خلنا فيها ستكون النتيجة مفاجئة في تفنيد البيان الوزاري ومناقشته وتطوير ما فيه، فإذا بها تنتج عن ثقة إجماعية بالحكومة.
فلماذا إذاً كلُّ ذاك الفيض الذي وسَمَ معظم الخُطَب التي اتّخذت من منبر الپرلمان متراساً للتصويب على الآخرين بدون مناقشة البيان الذي من أجله كانت تلك الجلسات الطويلة؟
بعض من تكلّموا أصابوا وناقشوا وفنّدوا في مسؤولية وتنبيه وحكمة مهنية لكنّ معظم الذين تكلَّموا كانوا في ثلاث فئات:
– فئة من راحوا يُغرقون زملاءهم الحاضرين بهمومهم الخاصة وشؤونهم الخاصة وشخصانياتهم بمعزل عن البيان الوزاري.
– فئة من راحوا يطلقون الانتقادات لخصومهم من زاوية شخصية لا علاقة لها بالبيان الوزاري.
– فئة من راحوا يَتَعَنْتَرُون في لغةٍ عربية يخجل بها تلميذ في مدرسة ابتدائية.
هنا تساءل المواطنون: لماذا كل هذا المشهد الفولكلوري الذي هَدَرَ الوقت على تعداد المثالب، ما دامت النتيجة ستكون رفع اليد ببغاوياً بالموافقة على منح الثقة؟
وما علاقة هموم الناس بمعظم الذي قيل من دون الالتفات ولا بكلمة واحدة الى هموم الناس؟
وماذا عن تغيُّب بعض النواب عن حضور الجلسات، أو أخْذِهم قسطاً من القيلولة خلال كلام زملائهم، أو قيامِهم من مقاعدهم وعودتِهم إليها وتَمشّيهم بين صفوف المقاعد فيما زملاؤُهم يتكلمون؟
والى من كان يتوجّه معظم النواب الخطباء: أَإِلى رئيس الحكومة صاحب البيان الوزاري، أم الى رئيس الجلسة؟ أم الى جمهور ناخبيهم خلف كاميرات التلفزيون؟ ولو لم تكن الجلسة منقولة تلفزيونياً، أكانت استفاقت حَميّةُ الكلام بجميع الذين تكلَّموا كي يتكلموا؟ أم انهم امتطوا منبر الپرلمان فرصةً للظهور أمام قاعدتهم الشعبية؟
وهذه اللغة العربية الْمُعيبة التي تكلّم بها البعض: تهشيماً بالقواعد اللغوية، وإلقاءً كاريكاتورياً، ومَخارجَ حروفٍ صريعة، أما كان يمكنهم الاستعاضة عنها بلغة عامية مبسطة لإيصال رسالتهم (إن كان عندهم رسالة برلمانية) والتعبير عن فكرتهم (إن كان عندهم فكرة مهنية مسؤولة)؟
في ست جلسات مجلس النواب كان كلامٌ: قسمٌ منه مُدارٌ بالـ”ريموت كونترول”، وقسمٌ رفعُ عتب، وقسمٌ متراسٌ للتشاتم وتصفية الحسابات، وهو في معظم الحالات غيرُ جدير بِمَن انتخبَهم الشعب، وحين شاهدهم هذا الأُسبوع على شاشة التلفزيون نَدِمَ على إعطائهم ثقته لتمثيلهم أربع سنوات.
في رائعة فردريك نيتشه “هكذا تكلَّم زَراتُوسْتْرا” كلام حكمة وفلسفة تلقّفه شعب زراتوسترا ليغنموا من فكره العالي.
وبين “هكذا تكلَّم زَراتُوسْتْرا” وهكذا تكلّم النُّوّابُوسْتْرا عندنا يتساءل المواطن اللبناني: هل معظم هؤلاء صورةٌ لنا في لبنان وفي العالم؟