الحلقة 845 : لبنان السياسيّ بين التايكون والتايفون
الأحد 4 تشرين الأول 2009
فيما انزاح عن بطشِه وهيَجانِه المدمِّر إعصارُ تسونامي في آپْـيا، عاصمة سامُوَى جنوبي المحيط الهادئ، ومنطقة تونغا، إثر هزّة أرضية ضربَت المنطقة بقوة ثماني درجات،
وفيما ينشغل العالم بالزلزال الرهيب الذي ضرب منطقة پـادانغ على جزيرة سومَطْره الإندونيسية، وتتزايد أنشطة منظّمات الإغاثة وحملات المساعدات لإنقاذ المواطنين بعد التايفون الذي ضرب جزر الفيليبين وفيتنام،
وفيما بات العالم اليوم مذهولاً بين تايفون الطبيعة المتوحّش وتايكون المتحكّمين بأسواق المال والأسهم والبورصة،
يخطر في البال تحكّم اثنين بالمصائر: التايكون والتايفون.
ففي تحديد التايكون أنه رجل فظٌّ، أو متنفِّذ صناعي، أو قطبٌ في قومه ينصاع له وينحني أمامه رجاله والمحاسيب. من هنا تسميته باللورد أو المغول أو البارون أو الأوليغارشي، وهو عادةً بنى ثروته من تجارة النفط أو المعادن أو اللعب بالبورصة.
وفي تحديد التايفون أنه إعصارٌ هائل جامح متوحش هائج ينطلق من آسيا وينقضُّ استوائياً على المحيط الهادئ. والكلمة مشتقّة من اليونانية التي سَمّت الريح الهائلة على اسم “تايفون” إله الرياح والأعاصير والرعود، ولعلّ التسمية امتدت الى العربية في كلمة “طوفان”.
وفي كلتا الحالتين دمارٌ وخراب: التايكون الفظّ يدمِّر كلَّ مَن دونَه وما دونَه، بلوغاً الى غاياته الشخصية أو الشخصانية، ويَعتبر الناس خُدّاماً عنده، أعداداً أمامه منحني الظهور والرؤوس والكرامات، والتايفون الهائج يدمِّر كلَّ مَن أمامه وما أمامه فلا يرحم ولا يتوقّف، لأن عين الإعصار رهيبةُ الضربة القاضية بالتدمير والزَلزَلَة وتَرْك الخراب الفاجع بعده بَشَراً وشَجَراً وحَجَراً.
نحن في لبنان اليوم، نعيش هاتين الحالتين: وسْط وضْعٍ سياسيّ يتحكّم به، في شكل أو في آخر، التايكون و التايفون.
وإذا كان التايفون اللبناني افتراضياً رغم ما يَجُرّ وراءه من دمارٍ اقتصادي وخرابٍ اجتماعي، فـالتايكون السياسي ليس افتراضياً بل هو واقعٌ أركانُهُ لوردات الحرب والسياسة عندنا، وهُم – بعددهم الذي لا يتجاوز عدد أصابع اليدين – يختصرون الوطن، ويتحكّمون بمصير أبنائه حاضراً ومستقبَلاً، وبِذهول لبنانيي الانتشار الذين يَرَون الى الوطن من الخارج ويقارنون بين الدولة هناك حيث هم، والدولة هنا حيث أهاليهم، فيهالُهم أن يَرَوا هناك (حيث هم) دولةً أركانُها خُــدّام شعبها، وأن يَرَوا هنا (حيث أهاليهم) دولةً شعبُها خُدّام أركانِها.
وعندها يَهْلعون أَن يَرَوا لبنان السياسيّ مصلوباً على الجلجلة… بين التايكون و التايفون.