الحلقة 826: صيف لبنان بين الزّحمة والرّحمة
الأربعاء 29 تـموز 2009
تتكاثرُ هذه الأيام شكاوى المواطنين من زَحمةِ الطرقات في العاصمة وضواحيها وبعض المصايف الكبرى، والعجقةِ التي تشهدُها بلداتُ الاصطياف الرئيسة (على الأخص ليلاً) بِما في ذلك إزعاجاتُ زمامير السيارات المتزاحمة، ولَعلَعاتُ مكبّرات الصوت من المقاهي والمطاعم تعُجُّ بروّادِها وزعيقِ المغنّين فيها، ما يَمنع السكّان في مُحيطها من النوم والراحة والاستمتاع بعذوبة ليل الصيف في لبنان.
وإننا – إذ نفهم هذه الإزعاجات ومُحاولات الدولة، وزارةً وبلدياتٍ، في التخفيف من تلك الزحمة والإزعاجات -، نعي بالمقابل أننا هذا الصيف أمام أرقامٍ تكاد تكون خياليةً بعدد السيّاح والزوّار والمغتربين العائدين صيفاً، ما يَجعل منطقياً عدمُ استيعاب العاصمة والمناطق آلافَ الآلاف من السيارات الإضافية على الطرقات، واكتظاظَ المقاهي والمطاعم والفنادق بآلاف الروّاد والشاغلين، أَفراداً وعائلاتٍ، يتمدَّدون على مساحات الغرف ومقاهي الأرصفة وفسحات المطاعم وأبْهاء الفنادق وغابات السيارات المزدحمة المزاحمة المتلاحقة الممْعنة في احتلال كيلومترات من طرقاتنا نادراً ما تشهد هذا الازدحام في مواسم أخرى من السنة.
وإذا قارنّا تأفُّفَ المواطنين من هذه الظاهرة العاجّة في لبنان هذا الصيف، بتأفّف المواطنين من أحداث صيف 2006 و2007 وما خلّفت من تَخريبٍ مُجرم ودمارٍ نفسي ولوجستي، نَجد أن زَحمة هذا الصيف رَحمةٌ مرتين: رَحمةٌ أولى للعافية التي طالت لبنان وتطالُه في صيفه الزاهر، والرَّحمة الأخرى تطال أصحاب المؤسسات والمنشآت والمرافق السياحية وما تشكّله الدورة الاقتصادية والمالية من عائداتٍ على أصحابِها تُنعش ركوداً كان أَصابَهم في الصيفَين الأسبقَين.
هذا طبعاً لنقول إنّ على الدولة أن تَحتاطَ أكثر، مستقبلاً، للأمور اللوجستية من طرقاتٍ ورجال شرطةٍ وتغذيةٍ كهربائيةٍ وما إليها من خدماتٍ تفترضها زيادةُ إقبالٍ على صيف لبنان، نتوقَّعه صيفاً بعد صيف إثر نَجاح هذا الصيف، حتى يكونَ صيفُ لبنان قادراً على اثنين: استيعابِ الحجم البشري واستشرافِ زيادة هذا الحجم.
وبين زَحمة الصيف على المواطنين، ورَحمة عائداته على المعنيين، لا بدّ أن نَحتمل الأُولى في سبيل الأخرى، من أجل أن يستعيدَ لبنان عافيتَه الاقتصادية والسياحية والتجارية، فيعودَ زهرةَ المواسم والفصول، وتستعدَّ دولته لتدارُك ما لَم يَحصلْ من أجل أن تَجعله يَحصل، فيُصبحَ صيفُ لبنان هناءةَ اللبنانيين (مواطنين ومستفيدين ومستثمرين)، وهناءةَ ضيوفه وزوّاره وسيّاحه، مستهلكين لا تُهلِكهم زَحمةٌ ولا تتهالكهم رَحمةٌ ولو إلى انتعاش.
وهو هذا دور لبنان: أن يكون مقصداً هانئاً للجميع، وأن تنتثِرَ على الجميع فيه سعادةُ هذه الهناءة.