827: … ومن الحبّ ما أحيا

الحلقة 827: … ومن الحب ما أحيا
الأحد 2 آب 2009

في إثباتٍ ميدانِيّ أن حُبَّ الرجل ليس وحدَه “كلَّ” وجود المرأة، خلُصَت دراساتٌ أكاديميةٌ صدرَت مُؤخراً إلى أنّ وُجود المرأة الأُم والمرأة الأخت والمرأة الابنة والمرأة العاملة والمرأة المسؤولة، لا يقلّ أهميةً عن وُجود المرأة العاشقة، بِمعنى أنّ حبّ الرجل مهمٌّ جداً في حياة المرأة لكنه ليس “المهمّ” الوحيد الذي تعيش من أجله. فالمرأة التي لا تعيش حالةَ حُبٍّ، يُمكنها أن تُمضي حياة سعيدة ومنتِجة، خصوصاً بعدما بلغَت اليوم حصتها من التربية والعمل والمهنة والوظيفة والمسؤولية والاكتفاء الذاتي من دون الاتكال على الرجل للدعم المالي أو الاجتماعي أو النفسي، وباتت قادرةً على الاستقلالية التامة، ما يَجعلها تنقضُ مقولة أن “حُبَّ الرجل هو كلُّ وجود المرأة”.
هكذا لا تعود المرأة “الجنسَ الضعيف” الذي يَحتاج إلى الحب وحده كي يُثبِت حضوره، بل تستطيع المرأة أن تعوّض عن غياب الحب في حياتها بِجعل هذا الغياب قوةً إيجابية تُحوِّل فقدان حالاتِها العاطفية إلى حضور نَجاحها عند ميادين أخرى تبرع فيها. وفي تاريخ الآداب والفنون أمثلة كثيرة على ذلك، منها أنّ ثلاثَ كاتبات إنكليزيات أثبتْنَ أنّ الحب ليس هدف المرأة الوحيد، بل قد تنصرف إلى أمورٍ إن لم تكن أهمّ من الحب فهي على الأقلّ مُهمةٌ مثله. وظهر ذلك في ثلاث روايات شهيرة: “جين إير” لشارلوت برونتِه، “الطاحونة على النهر” لماري آنّ إيڤانس (المعروفة بـ جورج إليوت)، و”حياة وعشق شيطانة” لفاي وِلْدِن، وفيها رسمت الرِّوائياتُ الثلاث بطلاتِ رواياتِهنّ يكافحْن ضعف فقدان الحب، ويعوّضْنَه بتجاوُزهنّ عقباتٍ في الحياة صعبةً وقاسيةً تَخطّينها إلى نَجاحات أخرى، بالغاتٍ مراتبَ مهمةً في حياتهن، عائليةً أو مهنيةً أو اجتماعية.
إن الإنسان في حاحة إلى الحب، والى الشعور بأنه يُحِبُّ ويُحَبّ، ما يؤكد أهميته في الحياة، فتتعزّز شخصيته وتتغيَّر نِظْرته حين يَجد في حياته قلباً آخر يهتم به. ولكن، إذا حالت ظروف الحياة دون إيجاد هذا القلب الآخر، لا يسقطَنَّ الإنسان في الكبت والثورة أو الغضب أو الحقد الانتقاميّ، بل فليتحوّل إلى تعويض آخر يُترجم غياب الحب إلى فنّ أو شعر أو كتابة إبداعية أو نجاح مهني أو إنجازٍ وظيفي مسؤول، أو نشاط اجتماعي ناجح وفاعل في المجتمع، فهذا أيضاً وجه من وجوه الحب، يكون بدايةَ حياةٍ لا غروباً إلى موت.
“… ومن الحب ما قَتَل”؟
بل: ومن الحب ما أَحيا.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*