817: … على ألاّ تبقى صيفية فقط هذه الصحوةُ السياحية!

الحلقة 817: … على ألاّ تبقى صيفيةً فقط هذه الصحوةُ السياحية!
الأحد 28 حزيران 2009

سنة 1990 ظهر فيلم “صَحْوَة” من بطولة روبرت دونيرو وروبِن وليامز عن رواية أوليڤر ساكس “مذكرات بالإسم نفسه”. وهي قصة طبيب اكتشف سنة 1969 مفعولاً مفاجئاً لدواء يَشفي المرضى بالإغماء الطويل الأمد، وتمكَّن من شفاء مرضى أصيبوا بالإغماء عند تفشي وباء التهاب الدماغ سنة 1928 ولم يعودوا إلى الوعي، فشفاهم الدواء الجديد وصَحَوا بعد أربعين عاماً على حياةٍ جديدة كان عليهم أن يتعلّموا كيف يتأقلمون معها ومع ناسها الغرباء عنهم ومع نَمطها الجديد، وأن يبدأوا حياتهم من جديد بعد تلك الصحوة المفاجئة التي لم يعرفوا معها كيف يتصرّفون في هذه “الحياة الجديدة”.
ذَكَّرَني بِهذا الفيلم الشهير (“صحوة”) ما نشهده في مثل هذه الأيام كلّ عام، عشيةَ موسم الصيف، من كلام على السياحة في لبنان ونُموّها وازدهارها وأهميتها ودورها ووفرة ما تدرّه على الخزينة اللبنانية، استشهاداً بِما تُعلنه الوزارة من أرقامٍ مشجِّعة ومفْرحة لِحجوزات الطيران والفنادق، ومن توقُّعات بلغَت مؤخراً نحو مليوني سائح يُرتقَب وصولُهم هذا الصيف إلى لبنان، وهذا غيرُ عاديٍّ أن يزور لبنان سيَّاح يبلغون نصف عدد سكانه.
الشاهد هنا، كما قلتُ غير مرة في هذا البرنامج، أن السياحة في لبنان شريانُ لبنان الأقوى والأكبر والأجمل، وأنّ الالتفات إلى تفعيلها ضروريٌّ وملِحٌّ دائماً، لا موسمياً عند أول كل صيف حين تبادر وسائل الإعلام والصحافة إلى الإضاءة عليها، ويروح المسؤولون يستشهدون بأرقامها متباهين بفضائل لبنان السياحة بينما الدولة لا تمنح هذه الوزارة ميزانية لائقة بضخامة فاعليتها في لبنان والخارج، ولا تزال لَجنتها النيابية ملصقة بلجنة الزراعة كأنما لا تستاهل السياحة أن تكون لها لجنة برلمانية مستقلّة تعمل على تشريعات وقوانين تفعِّل السياحة التي يتميّز لبنان بأنها “سياحة جميع الفصول” لا سياحة موسميّة في فصل من الفصول.
الشاهد ألاّ تكون الصحوة على السياحة صحوةً صيفية فقط عشية تموز كل عام، بعدها ينام المسؤولون طوال أشهر السنة، وألاّ تكون الصحوة فورة مؤقتة تحت تأثير الاندهاش بالأرقام المفرحة، بل أن تهتم الدولة بهذا القطاع الذي، في بلدان العالم الأخرى، تُفَعِّلُه الدول في تفاصيله ومعالمه كي يكون الجذب السياحي مورداً أول من موارد الدولة.
عشية تأليف الحكومة الجديدة: فليكن واضحاً في ذهن الوزراء والمستوزرين وصانعي قرار التوزير والاستيزار أن وزارة السياحة ليست ثانوية تعطى “فرق عملة” لكوتا طائفية أو مذهبية أو سياسية، بل هي وزارة سيادية كبرى تُشَرِّف من يتولى حقيبتها حين يقودها لا إلى “صحوة” صيفية مؤقّتة، بل إلى صحوة دائمةٍ على آفاقٍ وسيعةٍ للبنان في لبنان، وللبنان في العالم، تَجعلها وزارة رئيسية في قيادة لبنان.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*