الحلقة 816: الجسورُ المعلّقة و… الحواراتُ العالقة
الأربعاء 24 حزيران 2009
ڤانكوڤر (كندا)
بين معايناتي خلال الجولة السياحية في ڤانكوڤر، مروري على جسرَين للمشاة معلَّقَين عالياً فوق وادٍ وفوق نهر.
الأول جسر لِيْنّ كانيون المعلَّق (Lynn Canyon) وهو ضيّق، متقارب الخشبات، مُتَحَرِّكُها تحت الأقدام، زَلاَّقُها أيام المطر، هزازٌ عند تكاثر المشاة إليه، يتجانبُ اثنان عليه بصعوبة، مبنيٌّ منذ سنة 1912، يعلو 55 متراً فوق وادٍ هائل سحيق تحت المارّين عليه حتى ليصعب على الكثيرين النظرُ إلى تحت كي لا يُصيبَهم دوارُ العلو الشاهق. ويؤدي على طرفه الآخر إلى حديقة عامة (على اسم “اللورد بادن پاول” مؤسِّس الحركة الكشفية في العالم)، وهي واحةٌ واسعة شاسعة جميلةُ الخضرة، متعددةُ الزوايا المستصلَحَة، متنوعةُ المعالم البيئية، تنتهي عند طرفها الشمالِيّ بنهر هادئٍ يجري بين صخور جميلة الطلعة.
الآخَر هو جسر كاپيلانو (Capilano) المعلّق فوق نَهر كاپيلانو. بناه المهندس السكوتلندي جورج ماك كاي سنة 1889. مرّ عليه حتى اليوم ملايينُ السياح. طوله 137 متراً. يعلو 75 متراً عن النهر الدفّاق الجاري تحته. يستقطب نحو 800 ألف زائر سنوياً. مشدودٌ بأسلاك معدنية ضخمة مربوطةٍ من الطرفين إلى كتلة إسمنتية من 23 طناً، ومشكّلٌ من خشب الأرز القوي الصلب. المرورُ عليه صعب لضعاف القلوب، يهتز لطوله الشاسع عند امتلائه سيّاحاً من الطرفين، حتى ليكاد المارُّون عليه يَخشَون انقطاعَه عمودياً من الوسط، أو انقلابَه أفقياً فيهوي مَن عليه إلى قعر الوادي في لُجَج النَهر العنيف الجريان.
فيما كنت أَمُرُّ على كلٍّ من الجسْرَين، والمارة عليه مذعورُون من العلوِّ الشاهق فوق النهر والوادي، ومن اهتزازِ أخشابه وجانبَيه بِما يقشعرُّ له البَدَن ويرتعش له القلب رَهبةً وجزعاً (حتى ليفقد السائح التمتع بجمال الموقع سياحياً وبيئياً لانشغاله بالخوف، مع أنه متين مشدودٌ بثبات ومتانة) أخذني التفكير إلى لبنان وما يجري فيه حالياً من حوارات بين الفصائل اللبنانية المتشنّجة بتشاورات ومشاورات وتصريحات سياسية موالية أو معارضة، حتى لتبدو في ظاهرها هزّازة مترجرجة خسِعَة توحي بالخطرِ من الانقلاب والوقوعِ من علٍ في سحيق الوادي، بينما هي في باطنها متينةٌ لا تتجاوز الخطَّ الوطني الأحمر، وهي، رغم الهزهزة وسط المسيرة والرجرجة خلال اجتياز مرحلتها وخطرِ الوقوع عنها إلى الهوّة القاتلة، تؤدّي في نهاية المسيرة إلى أرض أمانٍ أكيدٍ ليس من صالح أحدٍ انتهاكُهُ وخسارتُه وفقدانُه، لأن انهياره يوقع الجميع في لُجّة لا إلى قرار، ووادٍ لا إلى خلاص. لذا يكون الارتجاج، كما على جسْرَي المشاة هذَين، اهتزازاً يوحي بالخطر لكنَّ تَجاوزَه يوصل من المصير المعلَّق في الهواء إلى أرض أمانٍ وطنيٍّ لا مصلحةَ لأحدٍ في خسارته، فَيَخْلُصُ الجميعُ بِـعُبُورِ الجسر، و… يَخْلُصُ لبنان.