الحلقة 815: الأرزة تجمعهم في لبنان الأرض، ولبنان الانتشار
الأحــد 21 حزيران 2009
ڤانكوڤر (كندا)
موحَّدي الحضور والبهجة كانوا، وهُم يرَون الأرزة اللبنانية تنزرع في أرض الانتشار، وتَجمعُهم حولها لبنانيين من أيّ منطقة كانوا في لبنان، من أيّ طائفة، فاستحالوا لا منطقة لهم إلاّ لبنان، ولا طائفة لهم إلاّ لبنان.
رأيتُ عيونَهم تدمع وقلوبَهم تبتهج، وهُم يَرَون نصبة الأرزة تنزل إلى أرض جامعة سايمون فرايزر في ڤانكوڤر، وهم يتكَوكَبون حولها كأنها لبنانُ فتىً ينزرع في كندا ليبدأ بالنموّ شاهداً على تنامي اللبنانيين في كندا من جيل إلى جيل، استذكاراً لتأسيس أول نادٍ لبناني في ڤانكوڤر سنة 1912.
وبالبهجة نفسها رافقني بعضهم إلى حديقة الملكة إليزابيت، إحدى أكبر الحدائق العامة في ڤانكوڤر، ليَدُلّوني على الأرزة اللبنانية التي نشبتن على مدخل الحديقة، سامقة ذاتَ هيبة وجلال، منذ زرعتْها سنة 1954 “الجمعية اللبنانية الكندية” في بريتش كولومبيا، وتحتها بطاقة معدنية عليها هذا النص: “أرزة لبنان رمز المقاومة والجمال والخلود والعظمة والقداسة. من خشبها كان بناء السفن الكبرى التي حملت إلى الغرب الأبجدية. وهذه البطاقة التذكارية تؤرخ للمهاجرين اللبنانيين الذين اختاروا كندا وطنهم الثاني وأسسوا الجمعية اللبنانية الكندية في بريتش كولومبيا”، وبالخـطّ النافر الكبير تَوَّجَت هذه البطاقةَ المعدنيةَ عبارةُ “… ونبني أنّى نشأْ لبنانا” وهي شطرُ بيت من “قدموس” لسعيد عقل، والبيت الكامل هو:
“نتحدّى الدنيا شعوباً وأمصاراً ونبني – أنّى نشأْ – لبنـانا”.
وأخيراً، بتلك البهجة نفسها كانوا ملتفّين حول الأرزة في جزيرة ڤيكتوريا، عاصمة مقاطعة “بريتش كولومبيا”، وهُم يَحتفلون، مع “الجمعية اللبنانية الكندية”، بإزاحة الستارة عن تمثال أول مغترب لبناني وصل إلى هذه المقاطعة سنة 1902. فما إن انطلق النشيد الوطني يصدح حدّ التمثال حتى وقفوا يُنشدونه جميعاً، يَدُهُم على قلبهم، يردّدونه وعلى مُحياهم أساريرُ الوفاء لكندا التي احتَضَنَتْهم، والولاءُ للبنان الذي أطلقهم إلى كندا حاملين رسالةَ لبنان ودورَه الرياديَّ في العالم.
أيضاً وأيضاً: هوذا لبنان الحقيقي، لبنانُ الانتشار الذي لم تعُد تَحُدُّه حدود جغرافيَّة، بعدما بات الإنسان اللبناني في ذاته حدودَ الإشعاع اللبناني إلى العالم، فكأن اللبنانيين المنتشرين جميعاً قدامسةُ لبنان لكلّ جيلٍ وكلّ عصرٍ وكلّ مكان، مُجسِّدين “الساغا” اللبنانية الطويلة التي تنْزرع في كل أرض، فتَنبُت منها أرزةٌ لبنانية كلّما نَمت صُعُداً وانفلشت أغصاناً، تنامَت على أغصانِها أجيالُ لبنانيين جدُدٍ يؤدّون الوفاءَ للأرض التي عليها يعيشون، والولاءَ للأرض التي منها جاؤوا وهي لا تزال في عيونِهم بَهيةً بَهيةً كطلعة كلّ شمسٍ على أرض لبنان.