الحلقة 771: منصور الرحباني يودّع منصور الرحباني
الأربعاء 14 كانون الثاني 2009
كِنّا سوا، يومْها، والعصريِّه حزينِه، بِـ21 حزيران 1986، وكنّا عمنودِّع عاصي بِهاك الغرفِه السودا ع تلّة أنطلياس.
اتّكَيت ع كتفي وقلتلّي: “هلّق عمتدفْنو كلّ عاصي ونصّ منصور. مش باقيلْكُن منّي إلاّ بعض منصور”.
لكنْ هالـ”بعض منصور”، من 20 سنِه لليوم، ما كان “بعض” منصور. كان “كل” منصور وكتير من حضور عاصي، لأنك بقيْتْ، بعد غياب عاصي، تِحكي بـ”الأخوين رحباني”، كأنّو عاصي واصل بعد شوي، و رح يدقّ الباب ويدخل علينا ونكمِّل معو الحوار.
ويوم الـ نَدَهْتْني من أسبوعَين، ع بيتَك نَدَهْتْني، و رحت توصّيني بالشباب: مروان، غدي، وأُسامة، وبالأعمال اللي عمْبِنشِرْلَك ياها كتُب، شِعر ومسرحيات، ما فهمتْ ليلتها – من دمعه حافيِه كابَرْتْ تَ ما تنْزل ع خَدَّك المتهدِّج – إنو هيدي كانت آخر جلسِه معك، قبلما تدخل عَ المستشفى، وتدخل بالغيبوبِه، وياخدك الغياب الأخير.
ما كنت عارف إنك نَدَهْتْني تَ تودِّعني وتروح.
لكن إنت من قبْل بكتير، كنت شايف الوداع الأخير، من يوم اللي سبَقَك عاصي ع الغياب. ومن قبل أكتر، يوم اللي كتبتلّو لِمروان القصيده اللي بتقول:
قلتلَّك انطرني، نِمْت ما نْطَرتْني… وعيد، ليلة عيد، سهرانِه الدِّني
ما قلت بدّو يشوفني؟ ما فهمت دخلَك شو بني؟
يَما إنت ما وصَّل لْعندَك العيد… ومش رح يوصِّل: بيتنا يا ابني بْعيد… بْيِتْعب العيد
وسكّرِتْ إمَّك عليك من الهوا
شبابيكها… ومش عارفه إنو الهوَا جايي على سهراتنا… علينا… عَ غنّيّاتنا
جايي يشلِّعنا الهوا… وقدّيش بدنا نضلّ نغمُر بعضنا…نتمسَّك… نعانِد… نشدّ بْبعضنا وبأرضْنا
نصرِخ: “يا هـاللي فوق، ردُّو هالهوا”…ويا وراق حَور وقاعدِه تقاوم سوا
ستين سنه؟ سبعين سنه؟ وبعدين يا ابني كلّ ورقه بِدِني
ويا هوا حاجه تلبِّد ع البيوت… لاحق تفوت… لاحق تفوت… لاحق تفوت.
هالمرَّه الهوا لبَّد ع الباب وفات. لكن ما رح يلاقيك، يا منصور، لأنك صرت بعيد. صرت أبعد من إنو يطالك الموت لأنك صرت بقلوب الناس. الموت بيقدِر يْخلّع البواب ويفوت ع البيوت، لكنّو ما بيقدر يْخلّع الذكرى ولا يدخل ع قلوب الناس.
من 40 سنه كتبْتْ إنتَ وعاصي عن فخر الدين:
راجع بـصْوات البلابل
راجع بـغناني الحصّادين
راجع بـإيّام العْياد
طالِل من كتب المدارس وبدو يِخلق بقصص الولاد.
وهيك إنت يا منصور: متْلَك متْل عاصي، رح تضَلُّو تِخلقو متل ولاد مدلِج، مع كل شمس جديده ع لبنان الإبداع.