الحلقة 753: لبنان بأقلام الرحَّالة القُدامى
(ليـوم الأربعاء 12 تشرين الثاني 2008)
أبعدُ من إضاءة المرسَل اللبناني الأب اغناطيوس سعادة على كتابات الرحّالة القدامى عن لبنان، يتجلّى لنا كم انّ لبنان استأثر باهتمام أولئك الرحالة دون مُحيطه والجوار، حين زاروه وأمضوا فيه أياماً وليالي ميّزت إقامتهم وجولاتِهم والمشاهدات.
فالرحّالة السبعة والأربعون الحافلُ بِهم الكتاب، لا تَجمع بينهم قُربَى سوى الإعجابِ بلبنان ومَن فيه وما فيه. أما زمنياً فمتباعدون: سبعة حُجّاج بين القرنين الرابع والسابع، خمسةٌ في القرنين الحادي عشر والثاني عشر (بينهم ناصر خسرو وابن جبير والإدريسي)، خمسةٌ في القرنين الثالث عشر والرابع عشر (بينهم ياقوت الحموي وابن بطوطة والملك أبو الفداء- من نسب صلاح الدين الأيوبي)، سبعةٌ من القرن السادس عشر، سبعةٌ من القرن السابع عشر، سبعةٌ من القرن الثامن عشر، ثَمانيةٌ من القرن التاسع عشر، ومَجهولٌ من القرن العشرين.
ويلفت في كتابات أولئك الرحّالة، عربِهم والغربيين، اندهاشُهم أمام الإرث الطبيعي اللبناني الذي لم يَجدوا له مثيلاً في سائر رحلاتِهم الى المنطقة، كما جاء في نص ياقوت الحموي (من القرن الثالث عشر): “إن في هذا الجبل سبعين لساناً لا يعرفُ كلُّ قومٍ لسان الآخر إلا بترجمان. وفي هذا الجبل جميعُ أنواع الفواكه والزَّرع من غير أن يزرعَها أحد. وقد قال أحمد بن الحسين بن حيدرَة المعروف بابن الخراساني:
“وكيف التذاذي ماءَ دجلة معرقاً وأمواهُ لبنانٍ ألذُّ وأعذَبُ”؟
ويكمل ياقوت الحموي عن بيروت فيذكر أنْ “خرجَ منها خلقٌ كثيرٌ من أهل العلم والدراية” ويستشهد ياقوت ببيتٍ من الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان:
“ألا يا حبّذا شخصٌ حَمَتْ لقياهُ بيروتُ”.
كنوزٌ لا تُحصى في هذا الكتاب “لبنان في كتابات الرحّالة” جمعَها الأب اغناطيوس سعادة وصدر في “منشورات الرّسُل”، شهادةً على ما في لبناننا الرائع من كنوزٍ، لو تنبَّه إليها اللبنانيون، لاستصغَرُوا الكثير مِمَّا يَجري هذه الأيام، ولاستعرضُوا أولياءَ القرار اليوم، واستصغرُوا منهم كثيرين كثيرين.