الحلقة 706: … وعادت حدّثَتْنِي ابنةُ العاشرة
الأحد أول حزيران 2008
في حلقة سابقة من هذا البرنامج (الحلقة 657 ليوم الأربعاء 5 كانون الأول الماضي) رويتُ ما حدّثتْني به من كندا، ابنة أخي، بنتُ العاشرة، عن زيارة ورفيقاتها نظّمتها مدرستهم إلى بيت مؤسس كندا جورج إتيان كارتييه وهو تَحَوَّل متحفاً تاريخياً.
وهذا الأُسبوع، عادت ابنة العاشرة تُحدّثني عن زيارة أخرى لها مع رفيقات صفها، نظَّمتها المدرسة من مونريال إلى العاصمة أوتاوى، في رحلة يومين كان لها أكثرُ من صدىً في نفس بنت العاشرة: من الاطّلاع (طوال الطريق في الباص) على طبيعة كندا ومدن كثيرة يعبر فيها الباص، حتى بلوغ أوتاوى وما فيها من معالِم العاصمة ومؤسساتها.
شملت جولةُ اليوم الأول زيارةَ مجلس النواب ومقر مجلس الوزراء، ولقاءَ مسؤولين في كليهما، شرحوا للتلامذة كيفية العمل في مجلس النواب، وكيفية المسار في مجلس الوزراء، وشرحوا لهم عن السلطة التشريعية ودور النواب فيها، وعن السلطة التنفيذية ودور الوزراء فيها.
وأمضى التلامذة بعضاً من المساء والسهرة في جولةٍ على ليل العاصمة التي تعُجّ بالحياة الليلية الجميلة المليئة بالحيوية. وفي اليوم التالي، جال بهم الباص على المدينة العاصمة، فزاروا متاحف عامة، ومتاحف شخصية ومتاحف تاريخية، وتوقّفوا عند تماثيل رجالٍ من مسيرة كندا، شرح لهم المسؤول أمامها عن صاحب التمثال ومآثره، ثم زاروا حديقةَ حيوانات، وبعضَ مؤسسات حكومية، وزاروا مصنعاً كبيراً تعرفوا فيه إلى طريقة التصنيع من المادة الأولية إلى التعليب، ثم عاد بهم الباص إلى مونريال.
الشاهد من هذه القصة، إسقاطُها على تلامذتنا هنا في لبنان: كم مدرسةً تنظّم رحلة لتلامذتها إلى مجلس النواب أو القصر الحكومي أو القصر الجمهوري، وتشرح لتلامذتها كيفية عمل المؤسسات الحكومية وأجهزتها، كي يكبَروا على معرفة بالنظام والتنظيم والانتظام، فلا يعودون يستقُون معلوماتهم من شاشات تلفزيونية لا تبث لهم إلاّ برامج تسلويةً و”توك شُوَ”ات سياسية يتلاطم فيها السياسيون ويتلاكمون ويتصارعون ويتناوشون ويُحمّسون السادة المشاهدين بعضَهم ضد بعض، فيكبَر تلامذتنا في بيوتِهم على أجواء السياسة ولا يرون أمامهم إلاّ “بيت بو سياسه”، ويكبَرون في مدارسهم مَحصورين: بين دفَّتَي كتابٍ لا يذهبون عنه أبعد من أنوفهم، وبين تنبلة مدارسهم بتقصيرها عن تنظيم رحلاتٍ إلى معالِمَ من لبنان حكوميةٍ وخاصّةٍ وأثرية وسياحية وتاريخية وبيئية، تكبَر معهم فيكبُر فيهم وطنهم، ويصعُب بعدها على أيّ سياسيٍّ أن يقودَهم وراءه قطيعَ أغنام، بل يفهمون عندها حقوقهم كمواطنين وكم يقصّر السياسيون في تأمينها، ويفهمون واجبات المسؤولين تجاه المواطنين، وعندئذٍ لا يعود المواطنون قطعاناً، ولا يعود السياسيون معتبِرين الناس أزلاماً ومَحاسيب. ولعل السياسيين عندها يشعرون بتهيُّب المحاسبة، وبالعقوبة القاسية التي يُهيّئُها لَهم المواطنون يوم الانتخاب، حين المواطنُ الواعي يُسقط ورقته في صندوقة الاقتراع.