الحلقة 707: كل وزارة هي وزارة سيادية
الأربعاء 4 حزيران 2008
يدوِّخ الوسطَ السياسيَّ والشعبيَّ في هذه الأيام تشكيلُ الحكومة العتيدة، وما يرافقه من أحاديث الناس ومراهناتِهم وتنظيراتِهم ومناقشاتِهم وتأكيداتِ البعض أنْ عندَهم الخبرُ اليقين.
ويشغل الوسطَ الإعلامي (مقروءَه والمسموعَ والمرئيّ) تسابقٌ إلى ترجيحات وتقديرات وسْكوپَّات صحافية وتصريحات واستصراحات، وتَهَرْوُلٌ على أبواب مصادرِ الأنباء وأصحابِ عَلاقة ازدادَت لديهم شهوةُ التصريح، أو البحثُ عمن يطلب منهم التصريح، كي يُدْلوا بآرائهم “النيِّرة”، وتنظيراتٍ يتمنَّون أن تكون فيقولونَها على أنّها حاصلة وسوف تكون.
ويزدهر في هذه الأيام سوقُ “المستوزرين” وتَمريراتُهم للصحافيين كي يُمرِّروا أسماءهم في الصحف، حتى إذا ما استصرحهم أحد أبدَوا تقشُّفاً وعزوفاً عن دخول الوزارة، لكنهم يُضَحُّون بكل غالٍ ونفيس، ويدخلون الحكومة إذا دعاهم “الواجبُ الوطني وخدمة المواطنين والشعب اللبناني الحبيب”.
وتزدهر في هذا الأيام تصاريح أقطاب “بيت بو سياسة” مِمّن يَملكون فرضَ طلباتِهم، فيصنّفون الوزارات بكليشيهات لو سَمعَها مراقبٌ أجنبيّ لأشاح بنظرةٍ هي بين الخجل والشفقة، على تقاسم قالب الجبنة الحكومي بِهذا الشكل المزرعجي العشائري القبائلي الزَّبائني: فهذه وزارة “سيادية”، وتلك وزارة “خدماتية”، وهذه وزارة “ثانوية”، وتلك وزارة “متواضعة”، لا يقبلون بِهذه، ويُصِرّون على تلك، لا إرضاءً للشعب، ولا كرمى للوطن، ولا بَحثاً عن خدمة الدولة بِمواهبَ وكفاءات، بل فقط – ولِمجرد الـ”فقط” – إرضاءً للكوتا الطائفية أو المذهبية أو المناطقية أو الحزبية أو التمثيلية الشعبية، ولا معيارَ عندهم أن يأتي إلى هذه الوزارة أو تلك، واحدٌ من أصحاب الكفاءات والدراية والاختصاص والخبرة، بل كلُّ همهم أن يأتي واحد من مَحاسيبهم أو أزلامهم، فيخدمَ لَهم مصالِحهم الزعاماتية قبل أن يكون عنده وقتٌ لِخدمة الشعب والوطن والدولة.
المراقب الأجنبي، أمام هذه الظاهرة المتخلِّفة الـ”عالَم ثالثية”، يتساءل: أليست كلُّ وزارةٍ سياديةً في ذاتِها؟ أليس الوزير هو من يصنع الوزارة وليست الوزارة هي التي تكون سيادية فترفع من شأن وزيرٍ يكون أفضل من آخر تسلّم حقيبةً ثانوية أو متواضعة فيكون أقلَّ شأناً من وزير الوزارة السيادية؟
المراقب الأجنبي الذي يكون قرأ، أو سمع، أو عرف، عن لبنان وماذا أعطى للحضارة لبنان وأيُّ إشعاعٍ سجَّله ويسجّله اللبنانيون في العالم من إبداعات وعلْم ونبوغ، يتساءل: هذا اللبنانُ المتميز المتمايز الفريد، أهؤلاء هُم سياسيوه؟ وهكذا يَحكمونه بِهذه العقلية المزرعجية العشائرية؟ هل هذا منطقهم؟ وهل هذا معيارُهم لدخول الحكْم كي يَخدموا مصالِحهم الانتخابية بعد عشرة أشهر من اليوم، فيستخدمون الوزارة مهمازاً لترشُّحهم على النيابة، ويستخدمون الشعب مطية لهم كي يصلوا، عوض أن يدخلوا الحكْم ليكونوا خُدّاماً للشعب والدولة والوطن؟
أيها المراقب الأجنبي: إن لبنان الذي تعرفه هو لبنانُ الآخَر، لبنانُ المبدعين والعباقرة، الذي لا علاقة له بِمن يَحكمون، ولا يَهتَمُّ بِهم، لأن لبنانَ السياسيَّ أرضيٌّ ينشغل بِمنصب وحقيبة، بينما لبنانُ الإبداع قمَّةٌ لا يبلغها سياسيون كلُّ شُغْلِهم في الآنيات والزوائل، ولا طاقة عندهم لبلوغ لبنان المواهب والقمم.