الحلقة 705 : فلتكن السياحةُ ضيفتَنا الأُولى هذا الصيف
(الأربعاء 28 أيَّـار 2008)
أما ولبنانُ عاد يعود إلى لبنان، لبنانُنا نَحن، لبنانُ الشعب الطيّب والإرادة الطيّبة والإبداع الطيّب والمبادرات الفردية الطيبة، هذا الـلُبنان، ما دام عاد يعود إلى لبنان، فلنستَعِدَّ لاستقباله كما يليق به، وكما يليق بانتظارنا إياه أن يكون.
وها هي الأخبار الطيبة تتناهى إلينا من كلّ صوب: من شركة الـ”ميدل إيست” تَحديداً، من بعض شركات الطيران، من مكاتب السفر، من الأصدقاء هنا وخلف البحار، من الصحافة التي بدأت تستقصي الوقائع والأرقام وتنشر الأخبار بأنّ صيف لبنان 2008 سيكون مشتعِلاً بالحركة والأنشطة والسياحة والضيوف والسياح والأهل والمغتربين الـ حَجزوا ليأتوا هذا الصيف يذُوقون هواء لبنان، ويَرَون فرح لبنان، ويعيشون نعمة لبنان، ويلتقون الأهل والأصدقاء في ربوع لبنان.
إنّها السياحةُ، إذاً، ضيفتُنا الأُولى هذا الصيف. ويا هلا بِها، ضيفةً عروساً نَجمةً في سَماء لبنان، ومُدُن لبنان، وقرى لبنان، وشُطُوط لبنان، وجبال لبنان، ومصايف لبنان، وفنادق لبنان، ومطاعم لبنان، ومهرجانات لبنان في جميع لبنان، وزوغةِ لبنان البشر والشجر والحجر في صيف لبنان الذي هو مرنَى المغتربين اللبنانيين، والزوّار الوافدين، والسياح المُقْبِلين، والعرب الأصدقاء المُدْمنين على صيف لبنان منتظرين. جَميعهم آتون، جَميعم فلْيَأْتوا، جَميعُهم فليملأُوا لبنان شُعَلاً من بَهجةٍ وفرحٍ ومرحٍ ونشاط، كي يرجع النبضُ إلى لبنانَ النبضِ الذي لا تُغَيِّبُه السياسة حتى تنعشَه السياحة.
الذين كانوا متردّدين في الإعلان عن برامِجهم الصيفية ومهرجاناتِهم السنوية واحتفالاتِهم الدَّورية، فلْيُعْلِنوا. للّبنانيين فلْيُعلِنوا، للعرَب فلْيُعلِنوا، للمغتربين فلْيُعلِنوا، للزوار المُقْبلين والسيّاح الآتين فلْيُعلِنوا، ولْيعرف القاصي والداني، القريبُ والغريب، الغيورُ المسرور والحَسودُ المقهور، جَميعُهم فلْيسمعوا، جَميعُهم فلْيعرفوا، جَميعهم فلْيعلَموا أنّ لبنان الذي أحرقَتْه كيديات السياسيين، تُعيده إرادة أهله العنيدين: يقهرون الموت بالحياة، يتحدَّون الخطر بالحياة، ويصمدون في وجه الدمار بإرادة العمار نشاطاً وحيويةً وتشبُّثاً بأرضهم وشعبهم ووطنهم قهّارَ جَميع إرادات الدمار.
هكذا يعود إلى لبنان واحدٌ من كنوزه النادرة: السياحة. فالسياحة في لبنان ليست مُجرّد فندقٍ أو مطعمٍ أو مصيف، بل هي سياحةٌ سياحية وسياحةٌ طبيعية وسياحةٌ آثارية وسياحةٌ بيئية وسياحةٌ استشفائية وسياحةٌ ثقافية وسياحةٌ دينية، وجَميع هذه الكنوز السياحية تنتظر روادها هذا الصيف.
بلى: ضيفتُنا الأُولى هذا الصيف، أميرةٌ رائعة إسْمُها السياحة. رأْسمالٌ لبناني كبير إسْمُه السياحة. هالةٌ سيادية إسْمُها السياحة. ثروةٌ وطنية إسْمُها السياحة.
أما الذين، هذه الأيام، يَجلسون ويفكّرون ويَحصرون اهتماماهم ويعصرون أدمغتهم للحصول من “قالب الجبنة” الحكومي على حصتهم في وزارة سيادية، ولا يفكّرون بِوزارة سيادية مهمة هي السياحة، فلْيبقَوا مَحدودين في سيادياتِهم المحدودة المؤقَّتة.
إن وزارةً لا تُنْشِئُ للبنان موائلَ وواحاتٍ دائِمةً تَجعل لبنان قُبلةَ العالم لا وَصْمةَ الشرق، تبقى قاصرةً عن السيادية، ولا يرى طمّاعوها من السيادية إلاّ قالبَ جبنة، ولا من السيادة إلاّ وزارة خدمات، ولا من سيادة لبنان إلاّ ما يؤمِّن سيادتَهُم هُم على أزلامهم والمحاسيب.
وبئس سياسيٍّ لا يرى من سيادة وطنه، إلاّ ما يَجعله سيادياً على شخصانيته وأنانيته، وسيِّداً على أزلامه والمحاسيب.