الحلقة 634: وجعلتم لبنان المنكوب شحّاداً على أبواب الدول
(الأحد 16 أيلول 2007)
سألْتُهُ، ونحن ذاهبون إلى پِـترا، إن كان لاحظ ازدياداً في عدد السيّاح إلى الموقع، بعد إعلان پِـترا إحدى عجائب الدنيا السّبع الجديدة (في الاستفتاء الشعبي الإعلاني التجاري قبل أشهر). أجابني أن بورصة السيّاح إلى پِترا وحدها سجّلَت في آب الفائت نسبة 30 % زيادة عمّا كانت عليه في آب من العام الماضي، ما يدلّ على تأثير تسميتها إحدى العجائب السّبع الجديدة.
وفي الموقع، رحتُ أتأمّل الصخر الزهري، صدَّعته عوامل الطبيعة تاركة فيه مَمرّاً إلى المدينة القديمة، إلى الخزنة المحفورة في الصخر، إلى المحكمة وقصر الملك والدير، وجميعُها غنمت من روعة شغل الإنسان على روعة الطبيعة.
طبعاً، مبروك للأردن وعمّان وپِـترا هذه التسمية التي رفعت بورصة السياحة. والدوائر الأردنية المختصّة بدأت تعمل على الموقع لتأهيله أفضل إلى استقبال الزيادة المرتقبة في عدد السيّاح.
على أنني، وأنا أتجوّل في پِـترا وأتأمّل معابدها وخزْنتَها وأضرحتها وهياكلها ومدرجها ومعالِمها المحفورة في الصخر نَحتاً رائعاً وصروحاً مهيبة، لم أَكُن أتَمالَكُني من التفكير في بعلبك وصور وصيدا وطرابلس وعنجر وقانا وجبيل وبيروت وجعيتا، وما فيها جميعِها وفي سواها من معالِمَ أثريةٍ وتاريخية رائعة ساحرة، بعضُها من روائع الطبيعة، والآخرُ من شغل عبقرية الإنسان، وكيف جميعُها موقوفة في زنزانة الانتظار بسبب تتالي النكبات والحروب والاعتداءات والأحداث والحالات السياسية والاضطرابات الأمنية وجميعُها تُخيف السيّاح والزوّار فَـيُشيحون عن المجيء إليها وإلى لبنان، والسياحة عندنا مورد حيوي نابض يُحرّك الاقتصاد في تلك الواحات، لكنه اليوم مُجمّد من سنتين ونصف السنة، لأنّ السياحة مشلولة بسبب الأوضاع في لبنان.
أقطاب الدول المعنية بالشأن اللبناني تَجميداً أو تَحريكاً، وصانعو القرار العرب والأجانب المعنيون بالشأن اللبناني تَحريكاً أو تَجميداً، والسياسيون اللبنانيون المرتبطون بالخارج في الشأن اللبناني تَجميداً أو تَحريكاً، جميعهم كانوا في بالي وأنا أعاين السياحة في البلدان حولنا تنمو وتزدهر، بينما هي في بلادي موقوفة مع موقوفية وطني الذي يُمضي عقوبته في حكم لا يزال يَجلده بدون وقف التنفيذ.
ويَجيء التأجيج السياسي، هذه الأيام، قُبَيل الاستحقاق الرئاسي، ليزيد الزنزانة ضيقاً، والشعب ضيقاً، والمستقبل ضيقاً، ولا يتّسع وسْط هذا الضيق إلاّ وحدَه فمُ سياسيين ظلّوا يتشاتَمون حتى ضاق هامش التفاهم بينهم فتدخّلت الدول التي ثَمَنُ تدخُّلها أن أصبحنا عندها بلداً منكوباً بِـدَينٍ فوق دَين، لاهثاً وراء المسمّاة “الدول المانِحة” حتى جعلونا وطناً شَحّاداً على أبواب الدول.