الحلقة 633: أنقذوا هذه الطفلة من أبيها
(الأربعاء 12 أيلول 2007)
ما إن وصلتُ إلى السهرة حتى خفَّ صاحب الدعوة وزوجته إلى استقبالي مرحّبَين ومصحوبَين بشابٍ يحمل طفلة على زنده عرَّفه إليّ صاحب البيت بأنه صديقه الذي رُزِقَ قبل شهرين طفلةً أسماها ابتهال.
وما إن جلسنا واندفعت السهرة أحاديثَ ثقافيةً على خلفية موسيقية سجَّلتها سيدة الدار بذوقٍ رفيعٍ جمعت فيها روائع الموسيقى الكلاسيكية، حتى أخذت الصغيرة ابتهال تكاغي وتبتسم لوجه أمها الصبيّة، والجميع حولها ابتهال إلى الله كي يحفظ ابتهال.
فجأةً، التفتُّ إلى زاوية في الصالون الواسع، ففوجئت بوالدها الشاب يشعل سيجارةً وينفثُها في الجو، وكان وحده الذي يدخن بين جميع الموجودين. هكذا، بكل بساطة – كي لا أقول بكل وقاحة – تناول من علبة السجائر سيجارةً وأشعلها ولم يسأل أحداً من الحاضرين إن كان ينْزعج من الدخان أو يتضايق أو… أو يقرف.
وحين بادرته باعتراضي الشديد عليه، خرج إلى الشرفة يكمل سيجارته، منفياً معزولاً عن السهرة والساهرين. وتكرر الأمر مراراً خلال السهرة، فكنا نلتفت لنراه منْزوياً وحده في أقصى الشرفة يدخّن، خصوصاً بعدما لفتناه إلى الضرر القاتل الذي يلحقه بطفلته ابتهال إذ هو يدخن في فضاء واحد معها.
وإذ كنا متحلّقين إلى طاولة الطعام، سمعنا صراخ ابتهال بعدما كنا نأنس بصوتها المكاغي وضحكتها الطفولية النغوى. التفتنا فوجدنا ابتهال على صدر أبيها: وجهها غارق في قميصه، وهي تبكي وتسعل حتى تكاد تحتنق، وهو يهدهدها ويناغيها ويناجيها ويلاطفها ويغنجها، وزوجته الشابة تحاول أخذها منه كي تعالجها وهو متمسك بها ظناً منه أنه يرفدها بحنانه الأبوي.
وحين اقتربتُ منه ولَفَتُّه إلى أن نيكوتين سجائره هو الذي يفعل هكذا بصغيرته ابتهال، تعجّب وقال إنه لا يحمل سيجارة، فأكدت له: “صحيح أنك الآن لا تدخِّن، لكن لهاثك مليءٌ بالنيكوتين، وشفتيك مشبعتان بالنيكوتين وأنت تقبِّل صغيرتك، وقميصَك معشعشٌ فيه النيكوتين وابنتك تغرق فمها في قميصك، وشعرَك الطويل ينقّط منه النيكوتين وأنت تحمل ابنتك على كتفك التي يتدلى عليها شعرك، فكيف تريد ألا تسعل ابنتك وتبكي وتكادَ تختنق”؟
في نهاية السهرة وأنا أودّع، اقتربَت مني زوجته الشابة سائلةً بهمسٍ خوف أن يسمعها زوجها المدخّنجي وقالت: “أَلَدَيك طريقة تقنع بها زوجي كي يقلع عن التدخين”؟ فأجبتُها: “إن لم يكن اختناقُ ابنته على صدره كافياً ليردعه عن التدخين، فلن تردعه إلاّ صورة شعاعية تُظهِر له غداً دملة سوداء في ناحية من جسمه المليء بالنيكوتين والقطران، سببها سيجارةٌ لم يقلع عنها ولو على حساب صحة ابنته الطفلة”.