630: في مديح الحُـب

فـي مـديـح الـحُـب
الاثنين 11 كانون الثاني 2010
– 630 –

في السائد أنّ الموت نقيضُ الحياة وأنّ الحياة مهدّدة بانتهائها في الموت. قد يصُحّ هذا القول في الحدث “البيولوجي” الذي هو الولادة/الموت، أي تكوين النبض في الجسد/انطفاء النبض في الجسد. لكن قوةً عظمى تغاير خُلُوداً هذه المعادلة. إنها قوّة الحب. وبِهذا المعنى (وهو الأهمّ) الموتُ ليس نقيضَ الحياة. الموت نقيضُ الحُبّ. والحياة ليست نقيضَ الموت. نقيضُ الموت هو الحب. الموت غيابٌ دائم بعد الحياة. الحب حضورٌ دائم حتى بعد الموت. الحياة لا تغلب الموت. الموت أقوى منها. الحب يغلب الموت. الحب أقوى من الموت. الموت على الأرض هو الحياة بلا حُبّ. الموت ليس غياب الحياة. الموت هو غياب الحبّ.
إذاً: الحياة ليست نقيض الموت بل نقيض اللاّحب. الحياةُ بدون حب: موت. الحياة الحقيقية هي حالة الحب. والموت ليس غيابَ هذه “الحياة” بل غياب هذه “الحالة”. غياب حالة الحب هو الموت في قلب الحياة. هو الموت في الحياة. هو الحياة في طعم الموت. حالة الحب حياةٌ في الحياة، وحياةٌ حتى في الموت. وحياةٌ بعد الموت.
حالة الحب هي الحياة الحقيقية. بدون هذه “الحياة الحقيقية”، الإنسان يعيش لكنه لا يحيا. يعيش حيوانياً ونباتياً. كأَيّ كائنٍ حيٍّ على الأرض، كأيِّ حيوانٍ يعيش، كأيّ نباتٍ يعيش. لكنه لا يحيا. أن نحيا ليس أن نعيش وحسب. أن نحيا يعني أن نُحبّ.
أن “نعيش حياتنا” يعني أن نتنفّس ونُمارس وظائفنا البيولوجية.
أن “نَحيا حياتنا” يعني أن نُحسّ ونَشعر ونَسعد ونَغتبط ونَذوق جمال الحياة وسعادَتَها وفرحَها الكثير.
أن “نَحيا حياتنا” يعني أن نُحِبّ. وأن نُحبّ لا يعني أن نتصوّر أو نتوهَّم أيَّ حبٍ كان.
أن نُحبّ لا يعني أن نعرف المحبة، محبة الآخرين، محبة كل الناس. المحبة للمحبة. المحبة التي لا هوية فرديةً أو شخصيةً لها.
أن نُحبّ يعني أن نعرف الحب الكبير. الحب الوحيد. حب الآخَر الواحد الوحيد الذي لا إشراك معه.
أن نُحبّ يعني أن نتكرّس لشخص واحد. واحد واحد ولا شريك له. أن ننصرف إليه. أن نعطيه حياتنا، كلّ حياتنا، كلّ تفكيرنا، كلّ عواطفنا، كلّ أعصابنا، كلّ أفعالنا الصالحة، كلّ أعمالنا الخيِّرة، أن ندين له بكل خيرٍ في حياتنا، وأن نعترف له بذلك، وأن نقول له ذلك، ونكرر له ذلك، وأن نردّ إليه، باستمرارٍ، فضلَه علينا وإشراقةَ الفرح البكر التي أعطاناها.
الحبّ الحقيقي ليس العلاقة (رجل/امرأة)، ولا الرومانسية المراهِقة، ولا الاتصال بالآخَر لكسر الوحدة الفردية، ولا الرغبة الجنسية التي (مقنَّعةً أو حاسرةً) تشُدُّ عادةً رجلاً الى امرأة. الحب الحقيقيّ هو الحدث الاستثنائي الذي لا يأتي في العمر سوى مرة واحدة وحيدة. هو الحب بالمعنى الأسمى، الأرقى، الأنقى، الأبقى، الأكمَل. الحب الذي هو الكمال في الذات والاكتمال في الآخر. هو الاتحاد بالعناصر. بالينبوع الأول. بالأصل. الاتحاد بالكون الواسع. بالكون الشمولي. بالكوسموس. يصبح الآخر هو الكوسموس.
وهذا هو القدَر بالذّات. هذا هو الحب الذي يتّخذ حجم القدَر. الإنسان يبدأ علاقةً ويُنهي علاقة. يبدأ زواجاً ويُنهي زواجاً. يبدأ صداقةً ويُنهي صداقة. لكنه لا يبدأ قدَراً وينهيه. القدَر هو الذي يبدأ في الإنسان وليس في استطاعة الإنسان، ساعة يريد وكيفما يريد، أن يُنهي هو هذا القدَر. القدَر لا يَنتهي. لا يُقَاوَم. ليس في يدنا أن نَبدأه ولا أن نُنهيه. هو الذي يبدأُ فينا، يأتينا من قوة خارجة عنا، يَدخُلنا فيصبح قوةً فينا ولا يعود يخرج منا ولا يعود يُخرجنا منه. ليس في الأرض قوة خارجة عنا (من آخرين، من شخص ثالث، من ظرف، من مناسبة، من وضع، من حالة، …) تستطيع أن تُنهي هذا القدَر. حتى نحن، لا نستطيع أن نُنهي هذا القدَر. نحسب أننا نستطيع. نتباعد، نحرَد، نغضب، ننفعل، ننفصل، لكن القدَر (قدَر الحُب) باق فينا ويعود حُكماً فيجمعُنا.
وحين تحلّ علينا نعمة “هذا الحب” بالذات، نكون انتصرنا نهائياً على الموت.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*