فـي مـديـح الـحـبـيـبـة (1)
السبت 16 كانون الثاني 2010
– 631 –
بعد مديح الحُب (“أزرار 630”) يكون مديحُ الحبيبة التي لا يكون الحُب إلا بِـها ومنها ومعها وفيها وإليها تكريساً نهائياً.
ذلك أنّ الحبّ الحقيقيّ ليسَ أنت ولا يُمكن أن تكون، بل هو “هي”، لا يكون بدونها ولا يعرف إلاّها. المرأة التي تكتب لها شِعر الغزل ليست “هي”. إنها امرأة من وهْم أو خيال أو بعض واقع أو بعض حجة أو بعض خوف من فراغ أو بعض خشية أن يقال إن العمر مـرّ ولا حبيبة. لكن امرأة الغزل هي امرأة، لا الحبيبة التي هي “هي” الوحدها وحدها وحدها شعلةُ الحب الحقيقية.
“هي”: هي التي (في مناسبة، في مصادفة، في لقاء،…) تتعرّف إليها امرأة عاديةً كأية امرأة أخرى لها شكلٌ واسمٌ وحجم، ثم تتحوّل حضوراً هيولانِيّاً عظيماً بدون شكلٍ ولا اسمٍ ولا حجم. هكذا تروح تراها، هكذا تعيها، هكذا تُحبُّها وتتكرّس لها بقية حياتك في انخطافية يومية واعيةٍ ولاواعيةٍ معاً. هكذا تتعلّق بها في جنونٍ غير عاديّ.
“هي”: هي التي تُوَعّي فيك الحنين الى الرحم الأُولى، رحم الأُم، رحم الطبيعة، رحم الأرض، رحم القصيدة، رحم النبعة الأُولى. تجيئك هي النبعةَ الأُولى التي لا “تذهبُ” إليها بل “تعودُ” إليها. النبعةُ الأُولى هي العودة الى العناصر الأُولى، هي البداية منذ تلك العناصر، فتعرف معها الحبّ الحقيقي. تعرف تلك النبعة الأُولى. تلك العناصر الأولى. وتبدأ حياتك من جديد ولو كنتَ في المتقادم أو في الخريف من العمر فيتحوّل معها عمرُك ربيعاً يومياً مستداماً لا الى انتهاء.
“هي”: هي التي تعرف معها التَّوق الى الكمال لأنها تجسّد لك صورة هذا الكمال. الإنسان يبحث دوماً عن الكمال؟ صحيح. أنت تجده فيها فتصبح “هي” الكائن الأسمى، الأعلى، الأدنى من صورة الله/الكمال. تصبح “هي” كَمَالَكَ. تكتمل أنت بها. تتّحد بها. تتّحد بذاتك. تتّحد بكما. إنه الاتحاد/التوحُّد بالحب الواحد الوحيد الذي لا يأتي سوى مرة واحدة في العمر.
هذا هو القدَر بالذّات. هذا هو الحب الذي يتّخذ حجم القدَر ولا تستطيع قوّة في الأرض أن تُنهيه مهما تعاظمَت هذه القوة ومهما بطشَت ومهما ظَهَرت أنها أقوى منكما، ومهما وَضعَت لكما قُيوداً آخرينية أو اجتماعية. يصبح حبُّكُما هو قدرَكُما الواحد. القدَر الذي يُغيّر المصير. حبُّكُما يغيِّر مصيركما معاً، تماماً مثلما تكون “هي” غيّرت مصيرك.
عند بلوغك هذه النعمة، تكون بين الناس مغلَّفاً بِـهدوئك لكنّ في داخلك بُركاناً من الحب منها وإليها. تكون بين الناس مقنَّعاً بِالعادي من السلوك لكنّ في كيانك جنوناً بها غيرَ عاديّ. تكون بين الناس طبيعياً لكنك لوحدك تكون في أقصى حالات الجنون و”هي” تَضُجّ في أعصابك وكيانك وتفكيرك. ومن حُسْن حظك أنّ الناس لا يقرأون تفكيرك بها، ولا يرَون جنونك بها، ولا يسمعون ولَعك بها، لكنك بينك وبينك تكون في أشدّ حالات الولَه إليها والولَع والشغَف والعشْق الأكبر. وهذه هي “الحالة الثانية” التي تعيشها أنت 24 ساعة في نهارك وليلك. تصبح “هي” حالتك الثانية التي تعرفها أنتَ بك، وتعرفها “هي” بك ولا يراها الناس.
وأجمل الأجمل أنك، ببلوغك هذا القدْر من الولع، لا تعود تخاف على هذا القدَر العظيم الذي هو حبُّكما. لن يعود يؤثّر فيه الآخرون. وواهمٌ بعدها من يظنُّ أنه قادر على الفصل بينكما مهما باعدت بينكما ظروف الحياة “الآخرينية” أو “الاجتماعية”. ذلك أنكما تكونان، في حبّكما الكبير، تعيشان معاً في شرنقةٍ شفّافةٍ سِرّيَّةٍ خَفِيَّةٍ، كأنْ وُلدْتُما معاً في هذه الشرنقة، وَتَتَوْأَمْتُما معاً فلا تفصل بينكما ظروف ولا صعوبات.
الى هذا الحدّ تتّحدان من الداخل الى الداخل، من داخلك الى داخلها، تَتَتَوْأمَان في الشرنقة ولا قوة في الدنيا تَعُود تفرّق بينكما ولو باعد بينكما الخارج الى حين (مهما طال هذا الحين الآخريني).
الى هذا الحدّ تؤْمِن أنتَ بك، وتؤْمِن بها، وتؤمن بـحُبِّكما. إلى هذا الحدّ تكون “هي” هي حياتك.
كيف تعرفُها أنها “هي”؟ نلتقي الأسبوع المقبل في الـ”أزرار” المقبلة.