590: … إلى أن تمنع الدولة التدخين؟

الحلقة 590 : … إلى أن تَمنعَ الدولة التدخين؟
(الأربعاء 11 نيسان 2007)

بعد حلقة الأربعاء الماضي، التقيتُ أصدقاءَ مدخّنين انزعجوا من كلامي في الحلقة عن المدخنين الذين يسحبون علبة السجائر ويأخذون منها سيجارة ويشعلونها ويدخنونها ولو لم يكن سواهم يدخِّن في القاعة أو إلى المائدة، غيرَ سائلين ولا مستأْذنين ولا آبهين للانزعاج الجِلْف الغليظ الذي يسببونه لِمن حولهم في القاعة أو إلى المائدة.
وسألتُ هؤلاء الأصدقاء المدخّنين: “ماذا لو كنتم في دولة، كبعض الدول الأوروبية وبعض الولايات الأميركية، تمنع التدخين في جميع الأماكن العامة المقفلة، وفي المكاتب والمطاعم والمطارات والتاكسيات والباصات، بل ذهبَت بعضُ الدول إلى منع التدخين حتى في الأماكن العامة وفي الهواء الطلق، إلاّ في زوايا مُخصصة للمدخنين، فيها مستوعباتٌ خاصة مقفلةٌ لرمي أعقاب السجائر فلا يتصاعد رمادُها في الجوّ، حتى ولو كانت تلك الزوايا في الهواء الطلق. إلى هذا الحد أخذَت أنظمة الدول المتطوّرة تمنع التدخين وتلاحقه وتطارده، منعاً لتلويث البيئة، ودرءاً لخطر النيكوتين عن صحة المواطنين”.
كان جواب بعض أولئك الأصدقاء: “حين نذهب إلى هذه الدول، نمتنع عن التدخين. وطالما الدولة في لبنان مشغولة بمشاكلها وليست متنبِّهةً إلى هذا الأمر، فسوف ندخّن حيثما يحلو لنا، وكيفما يحلو لنا، وعندما يحلو لنا. ولن يمنعنا أحدٌ من ذلك مهما علا شأنه، ومهما تحدثتَ عن هذا الموضوع في حلقاتك الإذاعية”.
ولَمحتُ في عيون هؤلاء الأصدقاء غلاظةً حادّةً في كلامهم، زادت من فظاظة سلوكهم الممجوج حين يسحبون علبة السجائر ويأخذون منها سيجارة ويشعلونها ويدخنونها، غير سائلين ولا مستأْذنين ولا آبهين للانزعاج الجلْف الغليظ الذي يسببونه لِمن حولهم في القاعة أو إلى المائدة.
طبعاً لا أريد هنا الإساءةَ إلى من يدخّنون، لأني أحترم حرية الآخرين شرط ألاّ تدوسَ حرّيتُهم على حريتي بغلاظة وفظاظة، وتمعسَها وتزعجَها وتؤذيها. فلماذا المدخّنون يريدون أن يفرضوا على غير المدخنين رائحةَ النيكوتين في الثياب والشعر وأذيّتَه على الصحة، ولا يَحُقّ لغير المدخنين أن يطلبوا من المدخّنين الاستئذان بالتدخين، أو الابتعاد عن مكان الجمع، ولْيُدخِّنوا ما شاؤوا فلن يزعجوا عندها أحداً.
الأمرُ ليس انزعاجاً ولا إزعاجاً. الأمر ذوقٌ وحسٌّ وسلُوكٌ مرهَف وتربية مدنية وخُلُقٌ عالٍ. من يمتع بها لا يزعج أحداً، ولا يطالبه أحد بوقْف أيّ سلُوك. أما أن يسبطِرَّ المدخّنون بعاداتهم التدخينية، سيجارةً أو سيجاراً أو أركيلة، فهذا ما لن يسمح به النظيفو الرئتين والثياب والشّعر واللثة والأسنان، إلى أن تقومَ عندنا دولةٌ تفرض فرضاً على المدخنين ما تفرضُه عليهم الدول المتطورةُ التي تَحسب حساباً لصحة المواطنين وبيئة الوطن.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*