586: الأبيض والأسود بين برلين والرياض

الحلقة 586: الأبيض والأسود بين برلين والرياض
(الأربعاء 28 آذار 2007)

مشهدان في أسبوع واحد: الأول نهار الأحد في برلين، والآخر اليوم الأربعاء في الرياض.
الأول: اجتماعُ سبع وعشرين دولةً في برلين، احتفاءً بالذكرى الخمسين لمعاهدة روما التي أطلقت العمل بتأسيس الاتحاد الأوروبي. والآخر: اجتماع ملوك ورؤساء عرب في الرياض موحّدين، إلاّ وفدَ لبنان الذي يحضر القمة بوفدين متناقضين.
مشهدان في أسبوع واحد: الأول أوروبي أبيض بَحثَ مصير أوروبا في الخمسين سنةً المقبلة، والآخر لبناني أسود يأخذ مؤتمر القمة في الرياض إلى البحث لا في السنوات الخمسين المقبلة، بل لرأب الصدع بين وفدي لبنان كي لا يبقى الشرخ عاراً.
وفيما هذا الأمر سيُعيق البحث في الغد والمستقبل والتطوُّر والتقدم نحو الازدهار ومواكبة العصر، يراقبُ اللبنانيون في لبنان واللبنانيون في العالم هذا المشهد اللبناني في مؤتمر قمة كان يُمكن أن يحمل لبنان إلى الحل فإذا به يحاول معالجة المشكلة.
وإذا اللبنانيون في لبنان يعيشون بمرارةٍ هذا الذي يجري بين فريق وفريق، بين قاموس سياسي وآخر، بين تصريح وتصريح مضاد، بين من يقترح ومن ينقض هذا الاقتراح، بين من يقدم ورقة إلى المؤتمر ومن يلغي هذه الورقة، فإن اللبنانيين في العالم يراقبون ما يَجري وهُم بين الغضب والقرف، بين الحرقة واللعنة، بين الحيرة في بيوتهم والحرج في إجابة محيطهم كيف يجري في وطنهم لبنان ما يجري بإزاء ما ينحو العالم صوبه من توحيد ووحدة واتحاد.
من أزمة إلى أخرى، من تأزُّم إلى آخر، من خيبة إلى أخرى، ولبنان موقوف في زنزانة الانتظار، والشعب يلهث خلف الخوف والقلق، والاقتصاد مهدَّد كل يوم بأفظع وأخطر، والمؤسسات تُغلق أبوابها الواحدةُ بعد الأُخرى، وشبابنا لم يعودوا يهاجرون بل يهجرون بدون التفات إلى الوراء، والمشهد السياسي باقٍ على عناده، على كيديته، على تعنُّته، كأن الانهيار يجري في بلد آخر ولا يعني أحداً من هؤلاء الذين يتعنَّتون لا على حسابهم بل على حساب شعب ينهار من يأس وخوف وقلق وقرف.
أبيض وأسود، بين برلين والرياض. وفيما الدول الأوروبية، في الذكرى الخمسين لانطلاق البحث في الاتحاد الأوروبي، تتولى حل الخلافات العالقة لإطلاق الاتحاد الأوروبي بزخم أكثر للخمسين سنةً المقبلة، نجد الدول العربية تنشغل بالبحث لا في السنوات الخمسين المقبلة، بل في الأيام اللبنانية الخمسين المقبلة قبل أن يبلغ الانهيار في لبنان حدّ اللارجوع.
أبيض وأسود بين برلين والرياض: في برلين افتتاح حضاري بالسمفونيا التاسعة لبيتهوفن (المعتمدة النشيد الاتحادي الموحد للاتحاد الأوروبي) وفي الرياض اليوم افتتاحٌ قلقٌ لقمةٍ يحضرها لبنان بوفدين، برأسين، بنقيضين، برأيين، بتناقضين، فكيف يكون لبنان بلد إشعاع نتغنى به ونحمله بهذه الصورة إلى الرياض، وكيف يكون لبنان بلد الثقافة والفنون وأوركسترا سمفونية وطنية بتنا نباهي بها العالم لا الدول العربية وحسب، فيما سياسيونا يذهبون إلى الرياض بسمفونيا الانكسار والشرخ والانقسام والانفصام فيعطون عن لبنان صورة بلدٍ قاصرٍ متخلِّف مفكَّك مرتَهِن مستسلم مستزلم إلى قوى من هنا وقوى من هناك؟
أبيض أوروبي في برلين، وأسود لبناني في الرياض: يا خجلنا من أهلنا اللبنانيين في كل بقعة من العالم !

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*