الحلقة 585: حصار تلامذتنا في المستنقع السياسيّ
(الأحد 25 آذار 2007)
سألتني: “ما بالُكَ هذين الأسبوعين هاجسُكَ التلامذة والمدارس”؟
يا عزيزتي: وهل أخطر من ألاّ يكون الغدُ هاجسنا والهمّ الرّئيس؟
وهل أسوأ من ألاّ نخاف على الآتي حين الحاضر يهيِّئه على صورته ومثاله؟
وأيّ حاضر عندنا اليوم كي نكون مطمئنّين إلى المستقبل فلا نخاف عليه؟
ماذا يقدِّم الحاضر لأولادنا كي يبلغوا الغد، حاملين أصداء اليوم والرّاهن والحاضر؟
بلى يا عزيزتي: خوفي عليهم أولادنا اليوم كبير لأنّهم منذ أيّام، منذ أسابيع، منذ أشهر، لا يسمعون إلاّ الأسماء نفسها والأشخاص أنفسهم، وليس في وجههم وفي سمعهم وفي عيونهم وفي محيطهم إلاّ أسماء سياسيين هُم هُم كلّ يومٍ يصرِّحون، يتصارحون، يَستصرِحون ويُستَصرَحون فلا يسمع أولادنا إلاّ كلماتِ هؤلاء، ومواقف هؤلاء، وقاموس هؤلاء السياسيّين وتشاتمهم وردودهم على بعضهم البعض وإثارة غرائز شعبنا السياسية والدّينية والطّائفية والمناطقية الضيّقة الانفعالية.
قلبي عليهم، أولادنا، لم يعد لبنان في وجههم إلاّ هؤلاء السياسيّين يملأون التلفزيونات والإذاعات، ويحاصرون جيلنا الطالع بآرائهم وشعاراتهم ويافطاتهم حتّى يظنَّ أولادنا أنّ لبنان ليس سوى هؤلاء. وما أتعس وطننا إن كان يختصره هؤلاء!
موجوعٌ أنا يا عزيزتي للخلل الذي يهزّ أولادنا في المدارس، والخطر الذي يجتاحهم في محيطهم البيتي والمدرسي والمجتمعي.
الأسماء إيّاها كلّ يوم. الوجوه إيّاها كلّ يوم. التصاريح إيّاها كلّ يوم. فهل هذا ما نربّي أولادنا عليه اليوم؟
بلى. موجوع أنا يا عزيزتي لأنّي أريد أولادنا يعرفون أنّ أفق لبنان الحقيقي أوسع من أفقه السياسي الرّاهن. أريدهم يعرفون أنّ لبنان أكبر، أعظم، أهمّ. أريدهم يعرفون أنّ لبنان، وطنهم، وطن غير عادي. فماذا يصلهم اليوم من هذا الوطن غير العادي؟
ماذا يصل أولادنا سوى ما يلهج به معلِّموهم في المدارس، وأهلهم في البيت، والمذيعون في الإذاعات والتلفزيونات؟
لهذا يا عزيزتي قلبي عليهم.
أترابهم في الدّول الأخرى يتربّون على مستقبل مثمر منتج مفتوح، وأولادنا في لبنان محبوسون في مستنقع سياسي ضيّق عقيم مغلق يختصر لبنان اليوم.
فأيّ لبنان هذا الذي يختصره مستنقع سياسي آسن لا يتحرّك؟
همّي؟ بلى. هَمّي يا عزيزتي ألاّ يكبر أولادنا على هذا اللبنان اليوم، بل على لبنان الآخر، لبنان الحقيقي، ومعظم هذا الطقم السياسي اليوم لا أؤمن بأنّه يُوصل أولادنا غداً إلى لبنان الحقيقي.