الحلقة 584: مدارسنا: من ْمَعالم لبنان إلى أعلام لبنان
(الأربعاء 21 آذار 2007)
بعد الحلقات الماضية الثلاث حول إبعادِ السياسة عن تلامذة مدارسنا التكميلية والثانوية، واقتراحِ حلولٍ بديلة تثقيفية تربوية وطنية تضع التلامذة في قلب الثقافة وتَعَرُّفهم إلى معالم لبنان التاريخية والسياحية والأثرية والطبيعية كي يكتشفوها في لبنان ويعرفوا لبنان فيُحبوا لبنان، يجيء اليوم تلقائياً دور الانتقال من معالم لبنان إلى أعلام لبنان.
أعرف أن برنامج وزارة التربية ضحلٌ جداً في أعلام لبنان، ويكتفي بنصوصٍ من أدباء وكتّاب بينهم لبنانيون، والمعلمون يقتصرون على النصوص دون التوسُّع إلى أضواءَ أخرى على أعلام من لبنان.
المطلوب من المعلمين والمعلمات في الصف، أن يبذلوا جهداً إضافياً خارج اقتصارهم على تدريس نصوص الكتب، أو القيام بأنشطة لاصفية محدودة في المدرسة أو حول المدرسة. المطلوب أن يأتي المعلمون والمعلمات إلى الصف بصوَرٍ أو أشرطة فيديو أو نصوص وأخبار عن أعلام لبنانيين في الخارج، ممن غابوا أو ممن لا يزالون اليوم أحياء يتحركون ويُبدعون ويَبرزون في حيث هم.
المطلوب من المعلمين والمعلمات في الصفوف التكميلية والثانوية أن يعرّفوا التلامذة إلى أعلام من لبنان يَبرزون في العالم، فيُدخلوا في نفوس التلامذة شعوراً بالفخر والغبطة وحسّ المنافسة، لتَعَرُّفهم إلى لبنانيين نبغوا وينبغون في العالم، فيتّسع لديهم حلمُ أن ينبغوا بدورهم عندما يكبَرون كي يَبرزوا كهؤلاء الأعلام.
جاء وقتٌ كنا نباهي فيه بجبران كلبناني عالمي، وحسن كامل الصبّاح، وجورج شحادة وبعض آخرين قلائل. أما اليوم فأعلام لبنان منتشرون في كل العالم ويَنْبَغون في حقول العلم والفكر والصناعة والاقتصاد والسياسة، فحريٌّ بالمعلمين والمعلمات أن يأخذوا التلامذة إلى متحف جبران في بشري، ومارون عبود في عين كفاع، وأمين الريحاني في الفريكة، والياس أبو شبكة في زوق مكايل، وحسن كامل الصباح في النبطية، والمطلوب أن يحدّثوا تلامذتَنا عن بيتر مدوّر ومايكل دبغي وكارلوس غصن وعلي عاكوم وميشال عبيد وبشارة الخوري وأمين معلوف وسواهم وسواهم من مبدعين لبنانيين يَنشر العالم إبداعاتهم في كل حقل علمي وفني وفكري وثقافي وصناعي ومالي واقتصادي، وحقول حيوية تغنم منها ومنهم الدول التي يعيشون فيها. فلْيعرِفْ عنهم تلامذة لبنان حتى يتماهوا بهم ويعتزُّوا بهم ويدركوا أن لبنان منجمُ مبدعين رائعين في العالم، وليس مجردَ بُركةٍ ضيِّقة من سياسيين تتكرر أسماؤهم يومياً أمام تلامذتنا حتى يظنُّوا أن لبنان هو فقط هؤلاء السياسيون الذين لا يسمعون يومياً إلا إسماءهم في الإذاعات والتلفزيونات.
معالم لبنان، فلتعرِّف المدارس تلامذتَنا إليها. وأعلام لبنان فلتعرِّفِ المدارس تلامذتَنا إليهم. وحده تَعَرُّفُهُم إلى لبنان: معالِمَ وأعلاماً، يُنقذ أبناءنا في المدارس من الاصطفافات السياسية الببّغاوية البلهاء، ويُخرجهم من التقوقع في مجموعة أسماء سياسيين تتكرر على مسامعهم كل يوم. فلْيفهمْ تلامذةُ مدارس لبنان أنَّ لبنان أوسع من هؤلاء بكثير، وأكبر من هؤلاء بكثير، ولْيُدركوا بأنْ وحده العقل اللبناني المبدع في لبنان وخارج لبنان في العالم، هو هو وجه لبنان الحقيقي.