576: نصف قرن من العمر بين أبو ظبي ولبنان

الحلقة 576: نصف قرن من العمر بين أبو ظبي ولبنان
(الأربعاء 21 شباط 2007)

في نهاية جولتي الثقافية إلى أبو ظبي (الأسبوع الماضي) كانت لي زيارة إلى المجمع الثقافي، اطّلعتُ خلالها على روزنامة أنشطة المجمع للموسم المقبل، ومررتُ في طريق المغادرة بصالة كبرى رأيتُ فيها مجسَّماً للمدينة كما كانت قبل خمسين عاماً، بدت فيه المدينة قبل نصف قرن مجموعة بيوت طينية صغيرة في بقعة رملية هادئة لها طابعُها الخاص الذي يذكّر بما قرأْناه في القصائد العربية القديمة من وصف للبيئة التي عاش فيها الناس في تلك الحقبات السحيقة.
عند تأمُّلي هذا المجسّم قارنتُ بين أبو ظبي قبل نصف قرن وأبو ظبي اليوم، وما آلت إليه بعد نصف قرن من عَمَار وعمران لتصبح مدينة عصرية طالعةٍ في التطلُّع إلى القرن الواحد والعشرين بجميع مفاصل التطور التكنولوجي الأحدث في العالم.
والى التطور العمراني والتكنولوجي، يلاحظ الزائر انضباطاً في الوضع، وتماميةً في البنية التحتية، والحزم في قانون السير، والحسم في شأن النظام المضبوط، وهي بداهةُ كل بلدٍ يعمل على رفاه أبنائه وتطويره لأبنائهم ومستقبلهم.
ومن أحدث ما تعمل عليه أبو ظبي اليوم: إنشاءُ مدينةٍ كاملة دوارة على نفسها 360 درجة. وإذا كان المشهد ممتعاً في مطعم دوّار على رأس مبنى مرتفع (كما الحال في أحد مطاعم أبو ظبي) فكيف بمدينة كاملة تدور على نفسها بسكانها وشوارعها وأبنيتها وأرضها كاملة؟
وبالمقارنة بين أبو ظبي قبل نصف قرن وأبو ظبي اليوم، وبين لبنان قبل نصف قرن ولبنان اليوم، نفهم الفرق بين بلدٍ يعمل حكامه على تطويره (أرضاً ومؤسساتٍ ورفاهَ شعب وتطوير بنية تحتية بعد البنية الفوقية) وبلدٍ يعمل حكامه على شخصانيتهم ومحاسيبهم واقتطاعهم الدولة قوالبَ جبنةٍ مناطقيةً ومذهبيةً وطائفيةً لمصالحهم الخاصة ومصلحة أزلامهم، صارفين النظر عن تطوير البلد لجميع أبنائه سواسية تحت راية النظام والتنظيم والدستور وقانون لا يُميّز مواطناً عن آخر.
لدى خروجي من المجمع الثقافي في أبو ظبي، لَفَّني صمتٌ موجعٌ قارنتُ فيه بين بلدٍ كان قبل نصفِ قرنٍ رملاً هادئاً فبات اليوم جنةً من عمران وتطور وتطلّع إلى أحدث اكتشافات العصر لأن حكامه يعملون على تطويره، وبين لبنان الذي قبل نصف قرن كان جنةً نادرة فَتَصَحَّر اليوم تشققاتٍ سياسيةً مرعبةً، وتقزّمت أحلامُ أبنائه من انتظار أحدث عصرنة العصر إلى انتظار دولة تزفِّت في الطرقات حُفَراً تتّسع سنة بعد سنة وليس من يبادر إلى تزفيتها.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*