الحلقة 575 : شريط شوك؟ أم شريط عار؟
(الأحد 18 شباط 2007)
بقدرما كان بليغاً نقلُ كاميرات الصحف والتلفزيونات (الأربعاء الماضي) مئاتِ آلاف اللبنانيين يهتفون للحرية في ساحة الحرية، هتفةً واحدةً لعلَم واحد، ولبنانٍ واحد، وكرامةٍ لبنانية ترفض كل وصاية خارجية أنى تكن ومهما تكن، كان موجعاً مشهدٌ لصيقٌ بآلاف اللبنانيين هؤلاء، هو مشهد شريط الشوك الذي فصلهم عن إخوانهم في اللبنانية والكرامة.
صحيحٌ أنه كان احترازياً من أي التحام أو اصطدام، وصحيحٌ أنه باعد ما بين الانفعال والانفعال المضاد، ولكنه كان حزيناً بأن يفصل بين اللبنانيين واللبنانيين، كما كان جدار برلين فاصلاً بين الألمان والألمان، أو كأنه جدار نيقوسيا الفاصل اليوم بين قبرص اليونانية وقبرص التركية.
ولو؟؟ إلى هنا وصلنا؟ هل هذه بيروت؟ كسَّرتها حرب 1975 مناطقَ وغاباتٍ وأدغالاً وخراباً مرعباً، فهل يُعقلُ – بعدما من بشاعة الدمار عادت زهرة العمار – أن تعودَ فتنقسمَ ساحتين يفصل بينهما شريط شوك؟
وهل هذا شريطُ شوكٍ أم شريطُ عار؟
كيف؟ لماذا؟ متى؟ إلامَ؟ بسبب مَن؟ كرمى لِمَن؟ بإرادة مَن؟ ومَن يقرّر عمَن؟
ما هذا المشهد الجحيمي الممجوج أن يقفَ شبابُنا الطيبون من ناحية، يهتفون باستقلال لبنان، ويقف شبابنا الطيبون الآخرون وراء شريط الشوك يشاهدون، ولا يهتفون مع إخوانهم باستقلال لبنان؟ أليس الذين وراء حدّي الشريط شبابَنا اللبنانيين؟ مَن يفرّق شبابَ لبنان عن شباب لبنان؟ مَن قسّم أو أراد التقسيم أو انصاع لمشيئة تقسيم شبابنا: هؤلاء “مع” وهؤلاء “ضد”، لأن أسيادهم السياسيين منقسمون بين مَن “مع” ومَن “ضد”؟ ثم… ثم شو يعني مَن “مع”؟ ومَن “ضد”؟ الذين “مع”، هم “مع” ماذا ومع “مَن”؟ والذين “ضد”، هم “ضد” ماذا و”ضد” مَن؟ أيُعقل أن تكون العائلة اللبنانية الواحدة بهذا الانقسام الحاد المؤذي القاتل، باسم المعارضة والموالاة؟ أليست المعارضة (في قاموس الدول والعالم والتاريخ) معارضةً بناءةً تساعد على النهوض وتصويب الخطأ من أجل مصلحة البلاد؟ أليست الموالاة مادةً يدَها في حاجة ماسة إلى المعارضة كي لا تقع الموالاة في الخطأ؟
أية موالاةٍ عندنا اليوم؟ وأية معارضة ؟ وهل هذه نتيجة الموالاة والمعارضة في لبنان أن تصبح ساحة الحرية ساحتين، وبيروت الرائعة الحبيبة بيروتين، وهتفات أبناء لبنان بين مُوالٍ هيمان تحت سماء الحرية، ومُعارض حردان تحت خيمة الاعتصام؟
ماذا لو هجم شبابنا نهار الأربعاء الماضي عن جانبي الشريط، شريط الشوك بل شريط العار، وفتح لهم جيش لبنان الحبيبُ كل الحواجز، وهجموا يقبِّل بعضهم بعضاً، ويعانق بعضهم بعضاً، وهم يبكون من الفرح، فرحِ اللقاء وفرح المصالحة، وفرح التمسك بأيدي بعضهم البعض وقلوب بعضهم البعض من أجل وحدة لبنان، لبنان اللبناني القرار؟ وماذا لو السياسيون من هنا أو من هناك شاهدوا هذا المشهد، مشهدَ شبابنا يخترقون شريط الشوك ويتعانقون صارخين: “نحن توحّدنا شعباً وشباباً وإرادة، فوحِّدوا أنتم قراركم مثلنا أيها السياسيون، وابنوا لنا وطناً على صورتنا نحن لا على صورتكم أنتم الكيدية والتناهشية”؟
ماذا لو حصل كلُّ هذا؟
لكانت نتيجةٌ واحدة: ينقلب شريط الشوك من شريط العار إلى شريط الغار على جبين شباب لبنان الذين يكونون قادوا هم سياسيي لبنان إلى أن يكونوا لا خُدّاماً لارتباطاتهم بل خُدّاماً لشعب لبنان.