577: على خطى المسيح في قلب لبنان

الحلقة 577: على خطى المسيح في قلب لبنان
(الأحد 25 شباط 2007)

حين تشتدُّ العواصف على الأغصان، تنشدُّ الأنظار إلى الجذع، وحين يهتز الجذع تذهب الأفكار إلى الجذور.
مساء الجمعة، أول أمس، وقَّع المستشرق العالم البروفسور مارتينيانو رونكاليا الطبعةَ العربية الصادرة هذا الأسبوع من كتابه السِفْر النادر “على خطى يسوع المسيح في فينيقيا لبنان”، الصادرِ عن “المؤسسة العربية للدراسات ما بين الشرق والغرب”، والمتضمنِ وقائع علميةً موثَّقةً مسندَةً حول تاريخ المسيح على أرض لبنان، بالتواريخ والسنوات والتفاصيل التاريخية الدَّقيقة، عن مروره في صيدا وصور وصرِبتا (أي الصرفند اليوم) وقيصرية فيليبّس (وهي اليوم جزء من مرجعيون) وتجلّيه على إحدى تلال جبل حرمون، إضافةً إلى الحدث التاريخي العظيم باجتراحه أول أعجوبة في حياته الأرضية على أرض لبنان يوم عرس قانا، وعلى أثرها “آمن به تلامذته” كما يقول يوحنا في إنجيله.
أهمية هذا الكتاب النادر في ثلاث نقاط: الأُولى أنّ مؤلفَه ليس لبنانياً (إذاً لم يكتب من منطلق تعصبي ولا شوفيني) الثانية أنه مشى في نهاية الأربعينات على الخطى نفسها التي مشاها المسيح من فلسطين إلى لبنان وعاين الساعاتِ والأيامَ نفسَها التي وردت في الإنجيل فاكتشف دقَّتها وصحة نسبتها إلى الأماكن على أرض لبنان (وخصوصاً المسافة المتعلقة بقانا)، والثالثة أنه لم يوردْ واقعةً أو حدثاً أو معلومةً أو استنتاجاً إلا ودعَمَ رأْيه بأسانيدَ تاريخيةٍ أجنبيةٍ مثْبَتَةٍ أو مصوَّرة أو مدعومةٍ بخرائط قديمة دامغة.
قبل اثنتي عشرة سنة، حين زرتُ قانا للمرة الأُولى برفقة سعيد عقل، ووصلْنا إلى مدخل الموقع، خرجَت إلى استقبالنا من حسينية قانا سيّدة تدعى زينب، هرعت إلى سعيد عقل تحيّيه قائلةً: “كم نحن مدينون لك أنكَ أضأْت على قانا بلدتنا، فنحن منذ الطفولة توارثنا أباً عن جَدٍّ عن جدودٍ ضالعين في القدم، أنّ قانا هنا هي قانا الإنجيل، قانا الأعجوبة، قانا المسيح، فلماذا لا تعترف بها المراجع الدينية العليا فيصبح عندنا هنا فاتيكان الشرق”؟ قالتْها السيدة زينب وعادت إلى بيتها الملاصق الحسينية، وظلّ صوتُها يرتجُّ هادراً في عيني سعيد عقل.
لمن لا يزالون ضعيفي الإيمان، فلْيبادروا إلى قراءة كتاب المستشرق الإيطالي البروفسور رونكاليا ذي الأسانيد العلمية التي لا تقْبل الجدل، والشكر للعميد الأميرال سمير محمد الخادم الذي نشر هذا الكتاب في مؤسسته بالإنكليزية ثم اليوم بالعربية.
حين تشتدُّ العواصف على الأغصان، تنشدُّ الأنظار إلى الجذع، وحين يهتز الجذع تذهب الأفكار إلى الجذور. وإنّ وطناً مشى على أرضه السيّد المسيح في صيدا وصور والصرفند ومغدوشة ومرجعيون، وتجلّى فيه على إحدى تلال حرمون، وقام بأول أعجوبة في قانا يؤمن بها أبناءُ حُسَينيّتها كما أبناءُ المسيح، هو وطنٌ راسخُ الجذور في المستقبل، قويُّ الجذع في الحاضر، ومهما هبَّت عليه العواصف، لن تتكسَّر منه سوى الأغصانِ العاقَّة، الضعيفةِ الإيمان.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*