521: لأنه يحارب عنهم جميعاً

الحلقة 521: لأنه يُحارب عنهم جميعاً
(الأحد 6 آب 2006)

انتظرناها من الشرق، فجاءت من الغرب. انتظرناها من دولة عربية، فجاءت من دولة غربية جداً. انتظرناها من دولة شقيقة أو صديقة أو قريبة، فجاءت من دولة بعيدةٍ بعيدةٍ في أميركا الجنوبية. انتظرناها من حاكم عربي في هذه المسماة “الأمة العربية”، فجاءت من الرئيس الفنْزويلي هوغو تشافيز الذي اتّخذ قراراً بسحب سفيره من إسرائيل احتجاجاً على ما وصفها الرئيس الفنْزويلي “جرائم إسرائيل ضد الإنسانية في لبنان”.
وأيّاً تكن الدوافع الإيديولولجية أو التحالُفية التي دفعت به إلى هذا الإجراء، يبقى أنه قام بهذه الخطوة التي كنا ننتظرها من حاكم عربي يتَّخذ موقفاً من إسرائيل التي تُفلت وحوشها الكاسرة براً وبحراً وجواً على لبنان فتمعن فيه تدميراً وحرقاً وتكسيراً وتعطيلاً وتشويهاً وقتلاً بربرياً وإبادةً فردية وجماعية، ولا يحصد لبنان من إخوانه وأشقائه العرب إلا بيانات التضامن والدعم المعنوي والمادي، وبواخرَ الإغاثة والإعانات الإنسانية والمواد الطبية والتموينية والإسعافية، طبعاً إلى جانب “دعم لبنان في مواجهة العدوان الاسرائيلي”، و”تأييد صمود لبنان ورفض الاحتلال”، و”الوقوف مع لبنان”، والتذكير الببغائي بمعاهدات الدفاع العربي المشترك”، وتحركات الجامعة العربية، يا رعاها الله، وحماسة اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب غداً الاثنين في بيروت.
طبعاً مشكورةٌ جميع هذه البادراتُ النبيلة من الدول العربية التي أرسلت ما أرسلت وتحرّكت بما استطاعت إليه سبيلاً من دون أن تبلغ في بادراتها إجراء قاسياً يهزُّ علاقاتها بالدول الغربية، وبدون أن تتخطى عبارات”رفض العدوان ودعم الصمود”.
لا نقول هذا الكلام من باب العتب أو المحاسبة، فليس من يحاسب دولةً على تصرفاتٍ تقوم بها وفق تحالفاتها وحساباتها الإقليمية والدولية، ولها شأنُها.
غير أننا، نحن أيضاً، لنا شأنُنا في التسآل والمراجعة والتفكُّر. بيروت كانت العاصمة الوحيدة التي في المنطقة اجتاحتها إسرائيل سنة 1982، ولم تتحرك دولة عربية، مع أن في بيروت ولبنان والمنطقة كلِّها من ينادي ببيروت العربية وعروبة بيروت ولبنان العربي. وبعد أقلّ من عشرين عاماً، بيروت كانت العاصمة الوحيدة التي حررَت أرض وطنها من العدو نفسه، وأخذت دول المنطقة تشيد ببطولة بيروت ولبنان وتتغنى بعروبة بيروت ولبنان.
واليوم، بيروت مجدداً هي العاصمة الوحيدة التي في المنطقة أطلق وطنها نيرانه إلى عمق أرض العدو نفسه الذي لم تطلِق عليه دولة عربية واحدة من دول الطوق رصاصة واحدة، بل كان هذا من المحرمات، وها لبنان اليوم يحارب كما عن كل العرب الذين يعتبرون إسرائيل العدو الأول ولم يطلق عليه أحد منهم الرصاصة الأولى حتى بادر لبنانُ الذي هو دائماً الشاهد والشهادة.
بلى: عن كل العرب يحارب لبنانُ اليوم. فيلْفهَم الأقربون والأبعدون ماذا كلَّفت عروبةُ لبنان، وكيف يجب أن يَتَلَبْنَنَ العرب.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*